قصة الميثاق

ما بين ثلاث صحف رسمية، ومجلات موسمية للمنظمات الشعبية التابعة للحزب قائد الدولة والمجتمع، عاش جيلان من السوريين بعيداً عن حرية الإعلام، وعن العمل الإعلامي، واعتُبر أي نشاط خارج هذا النسق خروجاً عن القانون يحاسب صاحبه تحت بند “وهن نفسية الأمة”.
وبعد بدايات الثورة السورية التي تصدّرت مشهدها في الأشهر الأولى، قيم الحرية والكرامة، تنادى الكثير من السوريين لإصدار المطبوعات الجديدة، وممارسة العمل الإعلامي بحرية بعيداً عن طغيان أجهزة الرقابة، وتتالت بذلك حالات إصدار الصحف والمجلات، وإطلاق المواقع الالكترونية، وجاء من بعدها إطلاق الإذاعات والقنوات الفضائية، حتى بات النشاط الإعلامي الجديد للسوريين يشغل بال الكثيرين، وباتت تتنازع المتابع للشأن السوري مواقف متباينة، ما بين مستنكر يعتبره منفلشاً غير منضبط ويسيء للعمل الإعلامي، وسينعكس سلباً على تقاليد العمل الصحفي في قادم الأيام، وبالمقابل هناك رأي يقول: إنها حالة صحية. إذ بعد سنوات طويلة من طغيان صورة الحزب الواحد والإعلام الواحد على المجتمع لابد من انتشار ـ ولو غير منضبط ـ لوسائل إعلام جديدة تحاول أن تقول شيئا جديداً ما.
سنوات القمع الطويلة ومصادرة الحريات لن تنتج بالتأكيد منظومات إعلامية جديدة سوية وناضجة، فالتجارب الجديدة لا تولد ناجحة بالمطلق، بل تنضج بالمتابعة والممارسة. ومن هنا وأمام هذا الواقع تنادت مجموعة من المؤسسات الإعلامية المختلفة والعاملة في الشأن السوري، ولشعورها بضرورة صياغة مبادئ جدية وناظمة للعمل الإعلامي، للاجتماع في طاولة مستديرة للتباحث في إصدار ميثاق شرف للإعلاميين السوريين يكون بمثابة مرجع أخلاقي، مهني، ينظم عملهم، ويشكل ضوابط ناظمة للعمل الإعلامي، يضمن لها حرية العمل وحرية النشر وحرية التعبير عن الرأي على أن يضمن في المقابل أن تكون مهنية وأخلاقية.
وعلى مدى سنة كاملة التقى المجتمعون في ثمان طاولات، تباحثوا وناقشوا واستعرضوا التجارب المماثلة للشعوب والدول، استعانوا بخبراء في صياغة المواثيق الإعلامية، فكروا بكل حرف وكلمة، عدّلوا، وبدّلوا، ليناسب واقعهم، أرادوه منتجاً سورياً منسوجاً بأيدٍ سورية ويسعى ليكون ميثاقاً جامعاً ينظم عملهم في طريق حلمهم نحو إعلام سوري يكون شريكاً في بناء سورية الجديدة.