علاء الدين زيات
لطالما شكلت المناسبات فرصة للتأمل والمراجعة، ليست الذكرى الخامسة لإطلاق ميثاق شرف الإعلاميين السوريين استثناء، بل إن الإعلام في حقيقة جوهرة يمارس مبدأ المراجعة في كل إطلالة، فالجمهور هو الجمهور ومراجعاته قبولا أو رفضا أو تجاهلا هي محددات وأدوات التطور وهي يومية لا تنتظر المناسبات، ولكن مع الذكرى الخامسة نرغب بالغوص أعمق من انطباعات الجمهور المستهدف.
في مساحة الحلم:
ككل الأفكار القادمة من الحاجات يقف الميثاق على حافة حقل القداسة غير راغب في العبور، هو نموذج تجريبي، يكامل صورته عبر الخطأ والصواب ولا شيء معيب في ذلك، هو فكرة نبت لها بعض الريش، وما غاب عن مخيلتها حلم الطيران لا تقعدها العواصف التي تهب يمنة ويسرى.
هارب من فكرة المرجعية بمعناها الضيق، والذي تداولناه على مدى عقود وفق صورة هراوة الشرطي وتجهمه، فالهراوة والتجهم مدلولات احتكار التمثيل لأية جهة تفكر بمرجعية مطلقة، ما كان عليه الحلم وما يزال، مساحة فضاء معرفي متعلم شديد الاقتداء بالنموذج المبتكر وناقد لذاته وميال للبدائل المنتجة وفق التشاركية.
وفي مساحة الرؤيا:
أن تغتسل الكلمات من أدرانها، من التلاعب والكذب والتضليل، وأن تغادر ساحات الكراهية المصنوعة كوسائل إبادة جماعية، إلى ساحات النقد العميق المبنى على الحقائق.
ليس بالمنهج الطيب تقديم القصة والخبر وفق ما يقبله الناس، نحن لسنا باعة حلويات تمنح البهجة، الرؤية ماتزال تضع الأمانة ونزع الأهواء عنوانها العريض.
سيسأل البعض، من أين نأتي بصحافي عديم الملامح، قادر على ممارسة الحياد البارد، وأي طعم لهذا النقل الميكانيكي للواقع بلا رتوش ودلالة عميقة، وهذه أسئلة تشكل بعضا من أرق الميثاق، حيث لا المنظومات الناضجة ولا حديثة الولادة لديها مقياس نهائي للمساحة ما بين المدارس المختلفة، فكشف الحقائق كما هي وتقديمها أو إضاءة جزء وتعتيم آخر أو عمليات التشذيب التي بالضرورة لا تقصد تعديل المشهد جميع ذلك ينحصر في معنى أخلاقي لا قدرة على قياسه خارج الزمان والمكان لكننا نمنحه اسم النزاهة.
ونسأل هنا هل يمكن اعتبار النزاهة صكاً معطى كلقب؟
لا أظن أن ذلك ممكنا، ككل القضايا الحياتية لا مطلقات مع التغير والتنوع، النزاهة مكافأة بالتتابع تدفع مع كل مادة مصدرة. بلا شك يتراكم الرصيد في اذهان الناس ليمنح عتبة شك أقل وثقة أعلى ولكن لا سقف هنا من جهة ولا شيء يمنع من تأرجح الرصيد لينخفض ثانية، مرة عبر هفوة، أو يفلس كليا عبر ضياع الرؤيا، وهنا لا غرابة لو ضاع جهد سنوات خلال أيام، مهنة المتاعب ليست لفظا مبالغ فيه بالأصل.
من أسئلة الذكرى الخامسة الملحة، هل الميثاق تواطؤ بالتراضي بين المؤسسات كي تتوقف عن المنافسة وتلتفت لمنافسة مع خارجها، خارجها في مساحتها الجغرافية ولربما خارجها في الخنادق المجاورة والموازية؟
الافتراض هنا يبدو متداولا وربما عدم وجود بوابات عبور لجهات مقابلة في العمل الإعلامي هي محفزه الرئيسي، ولكن الحقيقة غير ذلك، لا إقصاء هي واحدة من بنى الميثاق، ولكن لا علاقة لذلك بأوسع مساحات المنافسة، هي وحدة متصارعة بالمعنى الخلاق او للنزاهة ترغب أن تطور ذلك التوازن الصعب بين وحدة المصالح وتعددها، أما انفتاحها على كل ما هو اعلامي بغض النظر عن توضعه الحالي فهو مضمن في اللائحة المنظمة للعضوية، ولا تشترط أية أبعاد ذات معنى أيديولوجي، لذلك لا تواطؤ ولا صنمية مفرطة، والبعد المعتمد حول شرف المهنة هو الناظم .
وفي الخاتمة ماذا عن عنبه الحامض
تلك الأحلام غير المطالة، هل من سبل لتسير على سكك الانتقال من صحافة مهاجرة الى صحافة بلد، والالتصاق بتفاعل أشد وضوحا بين من ينتج ومن يستهلك، والخروج بفكرة الاستدامة من إطار القلق والخشية الى رحاب الاستقرار، وعشرات من أفكار تراود كل عامل وإدارة ومؤسسة وهي تشاهد خفوت الأصوات هنا وغيابها هناك.
نعم ليس الميثاق طوق نجاة بالمعنى المعروف، ولكنه يصنع مساحة تداول هامة حول كيف نصنع تلك الأطواق، واحد للاستدامة وآخر للابتكار وثالث لمعايير تطوير النظم.
كما كل الأشياء المولودة تنمو وتكبر وتزداد معرفة
وحده الابتكار ما يجعل الحياة خضراء ويخرجها من رمادية مملة
لتكن حياتكم/كن خضراء دوما