تأثّرت الأعمال الخاصة بالأخبار بتفشي جائحة “كوفيد19″، وتصدّرت الإشكالية التالية المشهد الإعلامي في خضمّ الأزمة الصحية العالمية: كيف يمكن للمؤسسات الإخبارية أن تبتكر حتى يحصل المواطنون والمجتمعات على الأخبار التي يحتاجونها لاتخاذ قرارات على ضوئها، وكيف يمكن أن يلتزم الصحفيون بأخلاقيات المهنة، والتوازن بين العمل وبين الجانب الإنساني للصحفي؟
ومن أبرز الأعمال التي حظيت باهتمام القراء خلال الجائحة، كان ما فعلته الصحفية المستقلّة الحائزة على جوائز فانيسا أوفيونج التي ركّزت عملها على التحديات الصحية للأمهات النيجيريات، وكانت سيدة حامل بتوأم، إحدى المصادر التي تواصلت معها أوفيونج لنقل تجربتها الصحية في وضع مالي صعب، فقد خسرت عملها هي وزوجها، ولديهما طفلاً يبلغ من العمر ثلاث سنوات.
بعد إجراء المقابلة مع هذه السيدة، فكرت أوفيونج بأن ترسل المال لمساعدة هذه الأسرة، لكنها كانت تُدرك أنّ ثمة قضايا أخلاقية، متسائلةً: “هل يجب أن يقدّم الصحفيون مساعدات مالية، أو مساعدات من نوع آخر، للأشخاص الذين يجرون مقابلات معهم؟ هل يمكن أن يبدو الأمر سيئاً بحال قدّمت عوناً لسيدة تعاونت معها من أجل التقرير الصحفي؟”.
ومن أجل البحث مع الصحفيين والمتابعين حول إجابات عن الأسئلة التي تجول بخاطرها، نظمت أوفيونج ويبيناراً، شاركت فيه إلى جانب رئيس أبرشية سوكوتو ماثيو كوكه، والمدير التنفيذي لمركز Wole Soyinka للصحافة الاستقصائية موتينريو ألاكا والمؤسس والمدير التنفيذي لمركز الصحافة التعاونية جيف لوينشتاين.
وخلال الويبينار، قالت أوفيونج التي غالباً ما تسلّط الضوء في تقاريرها الصحفية الإنسانية على السكان: “يواجه الكثير من الصحفيين هذا التحدي خلال الإبلاغ عن قضايا إنسانية ويتساءلون إذا كان يتعيّن عليهم أن يقدموا مساعدة مالية أو أشكالاً أخرى من المساعدة للأشخاص المحتاجين الذين يجرون مقابلات معهم”، مشيرةً إلى أنّ “بعض الصحفيين قدّموا مساعدات والبعض الآخر لم يفعل ذلك، فالكثير من القرارات تتعلق باحترام أخلاقيات المهنة مقابل التعاطف وتغليب الجانب الإنساني في التعاطي مع الأشخاص”.
ونصحت أوفيونج الصحفيين باتباع ما تمليه عليهم ضمائرهم وقلوبهم وإنسانيتهم، لكن عليهم احترام الخطوط الأخلاقية الصارمة “فإذا طلب مصدر أن يتقاضى أجراً مقابل مقابلة، على الصحفي الإبتعاد”.
في العودة إلى تاريخ العمل الصحفي، نجد أنّ الصحفيين ينأون بنفسهم عن تقديم المال أو الهدايا للمصادر، لا سيما وأن أي مدفوعات أو خدمات يمكن اعتبارها تضارباً في المصالح وتهديداً لمصداقية المعلومات وثقة الجمهور.
في هذا السياق، شدّد ألاكا على أخلاقيات الصحافة وعلى الصدق والدقة والإنصاف والمساءلة، وهي عوامل ضرورية للصحفي ووسائل الإعلام إذا أرادوا أن يثبتوا دورهم في المجتمع بفعالية. لكنّ بعض الصحفيين يعتبرون أنّه يجب أن يبذلوا جهوداً للمساعدة في تحسين أوضاع الأشخاص أو حتى إنقاذهم، لا سيما في الدول التي تضمّ الكثير من الفقراء والمجتمعات المهمشة. وبحسب ألاكا “عندما يكون الصحفي في العمل، عليه أن يعمل بمهنية عالية، إلا أنّه لا يمكنه الإنفصال عن القضايا الإنسانية والوطنية”.
من جهته، اعتبر كوكه أنّ الجميع يطمح إلى حياة جيّدة، وتهدف الحكومات إلى تحقيق ذلك، ولكن عندما يفشل المسؤولون المكلفون بهذا الواجب، يعمل الصحفيون على ملء الفراغ وإسماع أصوات المهمشين والمحتاجين والذين يعيشون في أوضع صعبة. وأضاف كوكه أنّه على الصحفي أن يستثمر الفرصة ويوصل أصوات هؤلاء الأشخاص ويضغط في تقاريره من أجل التغيير.
وبرأي لوينشتاين “على الصحفي أن يشعر براحة”، موضحاً أنّه من المفيد أن يكون لدى الصحفي عدد من الأشخاص الموثوق بهم، الذين يمكنه التحدث معهم عن القرارات الصعبة، لا سيما الأخلاقية منها.
وبالفعل هذا ما فعلته أوفيونج عندما فكّرت إذا ما كانت تنتهك أخلاقيات المهنة عندما أرادت أن ترسل المال للأسرة المحتاجة، وناقشت هذا الأمر بالتفصيل مع لوينشتاين، وكانت إجابة المشاركين في الويبينار أنّه من الجيد مساعدة البشر لبعضهم، مع احترام الأخلاقيات المهنية.
المصدر: شبكة الصحفيين الدوليين (ijnet)