منذ شيوع استخدام مفهوم الـ”جندر Gender” بدءاً من ثمانينيّات القرن الفائت، والجدل لم يتوقف بين مؤيّد ورافض له، ووفق مقال نشرته “مؤسسة الفكر العربي” حول الموضوع للكاتبة “رفيف صيداوي” بعنوان “مفهود الجندر وتمثلاته”، فالجندر الذي يقابل مفهوم “الجنس Sex”، جاء للتفريق بين المميزات البيولوجية التي تميّز الرجل عن المرأة، والتي يرتبط بها مفهوم الجنس ويختصّ فيها، وبين الخصائص الاجتماعية الثقافية للرجال والنساء، والتي تتشكّل اجتماعياً، والتي يرتبط بها مفهوم الجندر أو يجعلها ميدانه.
وأضافت الكاتبة في مقالها، أنه إذا كانت المسؤوليات والأدوار الاجتماعية المرتبطة بكلا الجنسين (كأن تكون تربية الأطفال والأعباء المنزلية مثلاً، من مهام المرأة، والعمل في الخارج لكسب الرزق من مهام الرجل…)، فهذا لا يعني، بحسب “الجندر”، أن هذه الأدوار والمسؤوليات والمهام على علاقة بالتكوين البيولوجي لكلّ من المرأة والرجل بل بالتنشئة الاجتماعية والعادات والتقاليد، أي بالثقافة والمجتمع، وبالتالي فإن أدوار “الجندر” (أو النوع الاجتماعي بحسب الترجمة العربية الأكثر رواجاً) ممكن أن تكون متبادلة بين الجنسين، وقابلة للتعديل أو التغيير (شأن الحمل والإنجاب على سبيل المثال لا الحصر)، في حين أن أدوار “الجنس”، ونظراً لمحّدداتها البيولوجية، ليست قابلة للتغيير، لكونها أدواراً ووظائف ثابتة، لا بل عابرة للأزمنة والأمكنة والثقافات، كما أنها أبدية.
وفي تقرير نشرته “شبكة الصحفيين الدوليين” ورد أن الصحفية “هانا ستورم” التي أصبحت مديرة شبكة الصحافة الأخلاقية في نيسان/أبريل 2019، تبنت مقالاً عن الصحافة الأخلاقية، وما تتعرّض له النساء وكيفية إعداد تقارير عن ذلك. وقالت: “تمثل النساء نحو نصف سكان العالم ومع هذا فعند النظر إلى غرف الأخبار أو طريقة إعداد التقارير، يعتقد المراقبون أنّ هذا الرقم خطأ”.
وتحدّثت عن الصحافة الأخلاقية معتبرةً أنّها تتجذّر بالإنسانية، مبنية على الشفافية وتقدم عملاً موثوقًا. وأشارت إلى أنّ الصحفيين لن يتمكنوا من الوصول إلى الصحافة الأخلاقية الحقيقية إلا عند التطرّق إلى القضايا الجندريّة بطريقة عادلة وحساسة. فالجنس ليس قضية تتعلّق النساء فقط، إذ سيستفيد جميع الصحفيين من رفض القوالب النمطية والصيغ المبتذلة، وإذا اتبعوا مبادئ الصحافة الأخلاقية، سيتمكنون من تحقيق توازن أكبر، ومن تقوية أصوات وخبرات المجتمعات الضعيفة التي تم تهميشها تقليدياً.
وأضافت الكاتبة: “ضمن دوري الجديد في شبكة الصحافة الأخلاقية، آمل بأن ندعم الشركاء في كل مكان لدمج الإعتبارات الجنسانية الأخلاقية في تقاريرهم الإخبارية وغرف الأخبار، ولتنظيم الأدوار التي يمكن أن يلعبوها لصياغة الخطاب العام بشكل إيجابي”، مشيرةً الى أنّ التغيير غير ممكن بين ليلة وضحاها، لكنه يحتاج لأن يتم بشكل أسرع.
وذكرت أنّ مشروع مراقبة وسائل الإعلام العالمية الذي صدر في العام 2015، حذّر من أنّ “التقدم نحو تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في وسائل الإعلام قد توقف فعليا”، مضيفة: “يتم تنفيذ مشروع مراقبة وسائل الإعلام العالمية في يوم واحد كل خمس سنوات، وفي آخر دراسة أجريت في 114 دولة، شكلت النساء 24 بالمئة من الذين سُمعوا أو قرئ عنهم أو تمت رؤيتهم في الصحف والتلفزيون والأخبار الإذاعية. ولم يتغير هذا الرقم عن عام 2010. وكانت الصورة أفضل بقليل على الإنترنت، حيث شكلت النساء 26 في المئة من الناس في قصص الأخبار على الإنترنت والتغريدات الإخبارية مجتمعة”.
وأشارت الى أنّ عدد النساء اللواتي أعددن تقارير كان أقل من 2 من 5 وهو ذات رقم عام 2005، وسيكون من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كانت أرقام 2020 ستكون مختلفة. وقد أدّت حركة MeToo إلى زيادة المعرفة حول كيفية إعداد التقارير التي تتعلّق بالنساء والتحرّش والمسائل المشابهة.
وأوضحت الكاتبة أنّ المؤسسة الإعلامية الدولية للمرأة تملك عدداً من المشاريع الرائدة لدعم الصحفيات. ولفتت إلى أنّ برنامج OUTSIDE SOURCE الذي يبثّ على BBC يضمن بأن تكون نسبة 50 في المئة على الأقل من خبرائه من النساء، وهو ما يضمنه من خلال المراقبة الذاتية. وفي بولندا، تجمع Newsmavens الأخبار من مختلف أنحاء أوروبا وتعيد تشكيلها وصياغتها كما تراه الصحفيات.
وفي أواخر عام 2017، أعلنت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن محاولة للقضاء على عدم المساواة بين الجنسين في الصحيفة. وبدأت “بلومبرج” قبل سنوات بتنفيذ استراتيجية تتضمن سياسات صديقة للأسرة، ونظام توجيه، وتدريباً إعلامياً للمديرات التنفيذيات، ومؤشراً يقيس المساواة بين الجنسين لأكثر من 100 شركة. ولكن على الرغم من هذه الجهود وغيرها لا تزال الصور النمطية القديمة موجودة، وغالباً ما تركز على مظهر المرأة أو الجمعيات بدلاً من قدرتها أو إنجازاتها. وهذا هو الحال خصوصاً عندما تصل النساء إلى مواقع النفوذ في الأعمال التي يهيمن عليها الذكور.
وعلى سبيل المثال، عندما استأنفت نانسي بيلوسي في كانون الثاني/يناير عملها كرئيسة لمجلس النواب الأميركي، غرّدت صحيفة “نيويورك تايمز” بصورة مع تعليق “نانسي بيلوسي ترتدي ثوباً أحمر مثيراً، وتصعد إلى المنصة الرخامية”، وقد تمّ حذف التغريدة في وقت لاحق، مع إقرار الصحيفة بأنها “وضعت بإطار سيئ”.
وقالت الكاتبة: “بصفتي إحدى الناجيات من الاعتداء الجنسي، كنت أعمل على مساعدة الصحفيين على فهم الضرر الناجم عن القوالب النمطية أو بسبب عدم وجود سياق، أو باستخدام لغة وصور غير ملائمة. وآمل أن أكون قادرة على تطوير هذا العمل بشكل أكبر في شبكة الصحافة الأخلاقية”.
وأوضحت أنّه في كثير من الأحيان، تصوّر وسائل الإعلام القضية، كما لو أنّ سوء المعاملة كان سببه خطأ اقترفه الفرد المتضرر. ويتم التعامل مع الناجين وتحديدهم وتصويرهم وإجراء مقابلات معهم من دون النظر إلى نمط العنف الجنسي أو سياقه أو حجمه. كذلك، تُصوِّر اللغة المستخدمة الجاني باعتباره وحشاً وليس إنساناً يختار ارتكاب جريمة، وغالباً ما تكون هناك أسئلة حول سبب التزام الأفراد الصمت لسنوات، فقط ليتم تصديقهم واكتشاف إذا ما كانوا يملكون الشجاعة الكافية لمشاركة قصتهم.
وبناءً على ما تقدّم، من المهم أن نعرف كصحفيين كيف نعدّ تقارير عن قضية حساسة مثل العنف القائم على النوع الاجتماعي، ونلتزم بالأخلاقيات الصحفية. وإذا كنا نريد أن ننظر إلى تغيير طريقة إجراء التقارير عن المرأة والمسائل المتعلّقة بها، لا يمكننا تجاهل التحيزات المقصودة وغير المقصودة في غرف الأخبار، بحسب الكاتبة التي أضافت: “في عملي السابق في المعهد الدولي لسلامة الأخبار، كثيراً ما سمعت من الرجال عن المخاطر التي تواجهها النساء، ولكن للأسف، لا تزال المرأة تعتبر المشكلة وليست الحل، علماً أنّ النساء يواجهن إساءات أكثر من الرجال”.
ولفتت الى أنّ أحد أكثر التهديدات الحالية التي تواجه الصحفيات هو التحرش عبر الإنترنت، فهنّ أكثر عرضة للهجوم عبر الإنترنت من زملائهن الذكور وغالباً ما يكون هذا الاعتداء جنسي.
وختمت قائلةً: “تُركّز الصحافة الأخلاقية الناجحة على أهمية التعاون، فحجم مئة صوت له صدى أكثر من صراخ شخص واحد”.
المصدر: شبكة الصحفيين الدوليين + مؤسسة الفكر العربي + ميثاق شرف للإعلاميين السوريين