تشير العبارة الشهيرة “الصورة بألف كلمة” إلى ما تحمله الصورة من معان وأبعاد ودلالات، يمكن لها أن تكون موضوعاً محفوفاً بالمخاطر، لا سيما لدى استخدامها في وسائل الإعلام، إن لم توضع لها ضوابط واضحة، تبين آليات التعاطي معها.
بعد عشر سنوات من الثورة السورية، وانتشار صور الضحايا السوريين بشكل طاغ ومهين على وسائل الإعلام المحلية والعالمية، وأمام الاستخدام المسيء لهذه الصور على مختلف المنصات، والتطور السريع للتقنيات الإلكترونية الذي سمح بظهور مفهوم المواطن الصحفي، وحاجة الصحافة التقليدية لمواكبة هذا التطور، يعاد فتح المواضيع القديمة المتعلقة بحق الأشخاص في صورهم وحياتهم الخاصة، واحترام الكرامة الإنسانية في تصوير الضحايا، لتغدو قوننة الصورة مطلباً ملحاً رغم انعدام مؤسسات الدولة أو غياب جهات حكومية قادرة على فرضها.
مسؤولية المؤسسات الصحفية
وفي ظل هذه الفوضى واستحقاق المسؤولية على المؤسسات الإعلامية لوضع الأطر القانونية للعمل الإعلامي، تقدم “ميثاق شرف الإعلاميين السوريين” بوضع “مدونة السلوك المهني الأخلاقي” و”نظام الشكاوى” في كانون الثاني من هذا العام.
الضوابط التي حددتها المدونة تسد فراغاً مهماً، وتزيل ضبابية معايير شر الصورة التي سادت طيلة سنوات، كما لا يقتصر نظام الشكاوى على منح المتضررين إمكانية الاعتراض والشكوى، بل يتضمن جانباً توعوياً يذكر الناس بما لهم من حقوق، ويساعدهم في إدراك ما يمكن أن يخفيه العمل الإعلامي في بعض الأحيان من أذى محتمل لهم.
ويرى رئيس تحرير موقع المركز الصحفي السوري “أكرم الأحمد” أن ما قدمه الميثاق ومدونة السلوك يعد خطوة مهمة ولو أنها متأخرة، وتأتي أهميتها من كونها لبنة أولى يمكن البناء عليها لتغطية كامل جوانب الصورة.
ويشدد الأحمد على دور المؤسسات الإعلامية ومسؤوليتها فيما يقع من تجاوزات، ويكشف ضعف الجانب التوعوي والتثقيفي للمواطنين والعاملين، كما يشير إلى محدودية ضوابط الصورة التي قدمتها التدريبات والورش الصحفية سابقاَ.
من وجهة نظر قانونية يعتبر المحامي “أحمد باكير” أن توفر النص القانوني، ووجود جهة مرجعية للتحاكم إليها، هما الأساس لتطور المجتمع، بما فيه القطاع الصحفي وتفاصيله، وهو ما يؤمنه الميثاق ولو بشكل أخلاقي غير ملزم، وذلك بتحويله المسؤولية الأخلاقية الفردية إلى نص مدون، وإنشاء نظام الشكاوى كمرجعية له.
وينص الميثاق على: “الناس لديهم الحق في الحفاظ على خصوصيتهم، وعدم إقحام حياتهم الخاصة في الأخبار، وعدم نشر أي معلومات أو صور أو تسجيلات تتعرض للحياة الخاصة للناس”، و”عدم التقاط الصور لهم دون موافقتهم”.
وتبين مدونة السلوك مجموعة ضوابط، كالتصوير في الأماكن العامة، ووجوب أن يتم ذلك بشكل علني، وتنبيه الناس إلى وجود الكاميرات وآلات التسجيل، وأن يتم إفساح المجال لمن لا يرغب بالظهور أمام الكاميرات للابتعاد عن موقع التصوير. كما حظرت استعمال الكاميرات المخفية إلا في حالات الضرورة القصوى.
المخرج والمصور “إياد جرود” يرى أن: “من الضروري إثارة النقاش حول أخلاقيات الصورة في فضاء أكثر علانية وانتشاراً، لأن الركون إلى الشعور الأخلاقي الفردي للعاملين في الصحافة كضابط للصورة، قد يتخلله الكثير من التجاوزات، وبمبررات أخلاقية أيضاً”.
ويضيف جرود: “الهدف من علانية النقاش هي معرفة المواطن المعرض للكاميرات لحقه في صورته، وما سيولده هذا النقاش من إحساس بالرقابة الاجتماعية والأخلاقية لدى المصوِّر، وبالتالي مزيد من التفصيل بمدونات السلوك في المؤسسات الصحفية”.
صور الضحايا وحرمة الجسد
عمد الكثير من الصحفيين والمؤسسات الإعلامية في سنوات الحراك السوري، إلى نشر صور الضحايا بلا تحفظ، في مسعى للحصول على التعاطف الدولي، وبأمل وقف الجريمة المستمرة، وإشهاد العالم عليها، فيما اعتبرها البعض نوعاً من توثيق الجريمة وتثبيت أطرافها عبر نشر “صور الفظاعة” كما أسماها بعض الباحثين والكتاب.
تتفق جميع القوانين والمواثيق الأخلاقية بما فيها ميثاق شرف الإعلاميين السوريين على وجوب عدم نشر صور الأشخاص الموتى أو الجرحى، منطلقين من مبدأ كرامة الإنسان وحرمة جسده، ويشمل هذا المبدأ بحسب مدونة السلوك عدم إظهار الضحايا أثناء عمليات الإنقاذ من تحت الأنقاض، وضرورة إخفاء ملامح الجسد وتمويهه، كما يشمل أيضاً الامتناع عن عرض مقاطع الفيديو والصور التي تظهر عمليات التعذيب والعنف والإساءة، بطريقة تهين الضحية أو لا تراعي مشاعر المشاهدين.
المصور “مجد هامو” تحدث عن تطور تجربته في التصوير في الشمال السوري، وما سببه غياب الضوابط التي يمكن الرجوع إليها قائلاَ: “في بداية الثورة السورية لم يكن لدينا أي مبادئ أساسية نعتمد عليها في نشر صور الضحايا، ومع تكرار المشاكل ورفض الأهالي لنشر صور ذويهم، صرنا نلتزم ببعض الضوابط الضمنية المتعارف عليها بيننا كمصورين”، موضحاً “اليوم بتنا أكثر حذراً أثناء التصوير في الشارع أو للأطفال، فيما أضحت صور الضحايا محصورة بهدف التوثيق دون النشر”.
محاذير صور الأطفال
ما تزال صور الأطفال السوريين تملئ وسائل الإعلام بذرائع شتى، متجاهلة تداعيات هذه الصور على نفسية الطفل، أو ما يمكن أن تسببه من مشاكل لمستقبله.
رئيس تحرير مجلة زيتون وزيتون للأطفال سابقا، سومر كنجو، يعتبر الحصول على إذن المسؤول عن الطفل غير كاف لتصويره، بل يجب أن تتحمل الجهة الناشرة مسؤولية تقييم الصورة لصالح الطفل قبل مصلحة العمل الصحفي، مضيفاً: “تسببت صور الأطفال في تنميط سمة الهوان للشعب السوري، وتحولت لبديل يستعاض بها عن صور أي موضوع يتناول الشأن السوري، وهو ما يجب كبحه من خلال ملزمات صحفية”.
وعن المعيار الذي يمكن من خلاله أن تقاس صلاحية صورة الطفل للنشر، يرى كنجو: “على المصوِّر أن يضع نفسه أو طفله في مكان الطفل المصوَّر، ويقدر فيما إذا كانت الصورة مؤذيةً أم لا”.
يحذر الميثاق من استغلال الأطفال في العمل الإعلامي، ويشدد على ضرورة التوسع في ذكر المحاذير المتعلقة بالأطفال، كما توجب مدونة السلوك “احترام كرامة الطفل وإيلاء الاهتمام بحقه في الخصوصية الشخصية والسرية، وإبلاغه والمسؤولين عن رعايته، ما يترتب على العمل الإعلامي الذي يتناول صوره”.
نظام الشكاوى
تهدف المبادرة التي أطلقها الميثاق بإنشائه لـ “نظام الشكاوى” تنظيم العلاقة بين الإعلام والجمهور، وتصب في سياق تحقيق الالتزام الأخلاقي والتطوير الذاتي لوسائل الإعلام، معتمدة على ثوابت الميثاق وبنود مدونة السلوك المهني فيه، ورغم أن لجنة الشكاوى تابعة تنظيمياً للميثاق، إلا أنها مستقلة عنه وعن وسائل الإعلام الأخرى.
ويفرض الميثاق، لضمان نزاهة وحياد لجنة الشكاوى، مجموعة من الشروط التي يجب توفرها في الأعضاء المتقدمين لها، منها أن لا يكون العضو من مالكي أو أعضاء مجلس إدارة إحدى المؤسسات الصحفية.
وتهتم لجنة الشكاوى بالنظر والتحقيق في الشكاوى المتعلقة بالمحتوى الصحفي بكل أشكاله، وإصدار الأحكام بالانتهاكات المهنية والفصل فيها، كما يتعين عليها التواصل مع الأطراف المعنية، للوصول إلى المعلومات والحلول.
وتتضمن مهام نظام الشكاوى، كما ورد في الميثاق، تقديم التوعية والتدريب والإرشاد في المعايير المهنية والأخلاقية في الإعلام والممارسات المثلى في مهنة الصحافة، وتوعية الجمهور بحقه في الشكوى وتصويب أخطاء النشر والاعتراض على الانتهاكات المهنية والأخلاقية.
ويمكن لأي جهة أو شخص، بحسب التعليمات التنفيذية لنظام الشكاوى التقدم بالشكوى، إذا ما رأى أن المحتوى الصحفي يخل بمبادئ الصحافة أو يشكل خرقاَ وانتهاكاَ لحقوقه، شرط أن يتوفر لديه الدليل على الخطأ أو الانتهاك.
يرى بعض العاملين في الإعلام أن الانتهاكات المرئية في الصحافة باتت قليلة رغم استمرارها، ومن الممكن أن تزداد ندرةً إن تم بذل المزيد من الوقت والجهد وحملات التوعية، كي لا يساهم نشر صور الضحايا في تطبيع الجريمة واستكمالها والاعتياد عليها.
المصدر: جريدة زيتون