دليل لوسائل الإعلام للاستفادة من الذكاء الاصطناعي بتطوير المحتوى والتواصل مع الجمهور

لا تتوقف عجلة التطور عن الدوران لتنقل كل ما في متناول الناس باتجاه التقانة التي أصبحت لا تفارق أي عمل يمارسه الإنسان، ولم تستثنِ الإعلام، ولاسيما أنه يمثل الملعب الأساسي للترويج للتطورات المبتكرة التي أثرت بدورها على وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة والمحتوى الذي تقدمه، كما طال تأثيرها الجمهور وسياسة هذه الوسائل للتواصل معه.

ولمجاراتها هذه التطورات قدمت شبكة الصحفيين الدوليين، عبر ما نشرته للصحفي الاستقصائي المستقل، ومؤسس دليل المصادر المفتوحة للصحفيين العرب، شحاته السيد، قدمت دليلاً لوسائل الإعلام يساعدهم في استغلال تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحقيق أقصى استفادة منها بدايةً من تطوير المحتوى مروراً بتحديد الجمهور وصولاً إلى التواصل والتفاعل الآلي.

وأوضح السيد أن الوصول للجمهور، كان قديماً، محصورًا في طرق تقليدية معروفة تسلكها كل وسائل الإعلام المحلية والدولية على حد سواء، عدا تلك المؤسسات الكبرى التي قرأت المشهد مبكراً، وبدأت تستعد منذ سنوات لهذا التطور، فغيرت من طريقتها وأسلوبها ومحتواها، حتى لا تصطدم بهذا التحول الهائل.

لكن ومع الأسف ما زالت وسائل إعلاميّة عدّة تسير على نفس نهجها القديم في استهداف الجمهور أو التواصل معه، ما يؤدي بها إلى نهاية حتمية -الإفلاس والإغلاق-، وكان عدد كبير من الزملاء شهود عيان على نهاية الكثير من تلك المؤسسات التي لم تتمكن من مواكبة هذا التحول الرقمي الهائل ولم تستطع أيضاً تحديد جمهور تستهدفه وتتفاعل معه وتحقق من ذلك عائداً يمكّنها من الاستمرار.

ولفهم كيفية مساعدة الذكاء الاصطناعي لوسائل الإعلام، قال السيد إن الذكاء الاصطناعي يساعد الوسيلة أو المؤسسة الإعلامية في مراقبة ومراجعة العلامة التجارية ويصدر تقارير دورية، تتضمّن كل مؤشرات التقدم أو التراجع، بالإضافة إلى أن تقنيات الذكاء الاصطناعي تجري عملية تحليل للمنافسين في السوق، ويمكن للوسيلة الإعلامية الاختيار بين إجراء هذا التحليل في منطقة معينة أو دولة معينة أو في عدة دول ومناطق أو على مستوى العالم.

ويستطيع الذكاء الاصطناعي أن يجمع كل المعلومات عن المنافسين، كتاريخ التأسيس، ورأس المال الأولي، وتسلسل الأرباح، كما يمكنه أن يدرس الجمهور المستهدف وحجمه ومناطقه الجغرافية والأجهزة التي يستخدمها، ويحدد نسبة الجمهور من رجال وإناث، وأعمارهم، ويرصد نقاط القوة والضعف لدى المنافسين.

ويرى السيد أن بإمكان الذكاء الاصطناعي أن يرصد الشركاء والداعمين والممولين للوسيلة الإعلامية المنافسة، ويرصد حجم المبيعات وأهم الموضوعات الرائجة لديهم وأشياء كثيرة أخرى، كما يمكن للمؤسسات الإعلامية من الاعتماد عليه في رصد تجربة الجمهور، وبناءً على ذلك تستطيع تحديد المحتوى الأفضل الذي يساعد في بناء جمهور أفضل، ويمكن استغلاله في إطلاق الحملات الإعلامية والإعلانية.

ويرى الكاتب أن من أهم الأشياء التي يفعلها الذكاء الاصطناعي بسهولة، الرصد المبكر للأزمات سواءً كانت أزمات مالية أو أزمات تقنية أو أزمات في نوعية المحتوى وجودته وغيرها، ويمكنه أيضاً اقتراح حلول عاجلة لهذه الأزمات.

وأجاب السيد عن سؤال: كيف تحقق وسائل الإعلام أقصى استفادة من الذكاء الاصطناعي؟، بالقول إن للذكاء الاصطناعي مميزات كثيرة لا تُحصى وتفعيله في المؤسسات الإعلامية يحتاج إلى عناصر أساسية، على رأسها الإرادة إذ يجب أن يكون لدى مجلس إدارة المؤسسة الإرادة الحقيقية في التطور ومواكبة هذا التحول الرقمي الهائل.

ويأتي بعد ذلك الوعي الكافي لأصحاب المؤسسة بأهمية هذا التحول وأنه لا سبيل من الهروب منه بسبب أو بدون سبب، بالإضافة إلى الإدارة التي عدّها الكاتب من أهم العناصر التي يجب توافرها لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من الذكاء الاصطناعي في وسائل الإعلام، وأن تكون على اطلاع عميق بعلوم الذكاء الاصطناعي وإن لم يكن لديهم هذا الاطلاع فمن الضروري الاستعانة بمتخصصين في هذا المجال.

ولم يستثنِ الكاتب السياسة والابتعاد عن التوجه السياسي كأحد شروط ضمان الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، موضحاً أنه يعد أبرز أسباب السقوط وعدم الاستمرار، لأن القواعد الثابتة للمهنة تحتم على الوسائل الاعلامية عدم الانحياز أو التوجه وبمجرد أن تقع المؤسسة في هذا الخطأ تفقد أهم ركن من أركانها وهي الحيادية والموضوعية وبالتالي يؤثر على حجم الجمهور. ويمكن معالجة التوجه أو ضغوط الحكومات بالذكاء الاصطناعي الذي يعتمد فقط على المعلومة ويتحقق منها بغض النظر عن توجهها.

أما عن دور الذكاء الاصطناعي في تطوير وتحسين جودة المحتوى، فيرى الكاتب بحسب تقرير مركز سمت للأبحاث، أن الصحافة لم تعد بمعزل عن التقنية، إذ باتت تؤثر في كل مكوناتها التفصيلية، فهناك دراسات ما زالت في بداياتها تدرس حقبة جديدة من الاتجاهات الصحفية لما بعد “صحافة الذكاء الاصطناعي” التي تُعرف بـ”صحافة الجيل السابع”، أو “G7 Journalism”.

ويمكن وصف صحافة الذكاء الاصطناعي بثورة الإعلام الجديد، التي تعدُّ متوافقة تمامًا مع تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، تلك التقنيات التي تنتشر استخداماتها في معظم جوانب حياتنا، والصحافة ووسائل الإعلام من ضمنها بالتأكيد. لذا؛ ظهر ما يعرف باسم “صحافة الروبوت Robot Journalism” التي تعتمد على الروبوت في تأدية بعض المهام الإعلامية كالتصوير واكتشاف بعض الأخبار الزائفة.

تستفيد المؤسسات الصحفية والإخبارية من تأثيرات “الذكاء الاصطناعي” عبر أتمتة العمليات المهنية وإنتاج الأخبار الروتينية، وستسهم في إنضاج المعالجات المهنية للقصص الخبرية، من جانب تقدير وتحليل الاتجاهات المُعقدة للأحداث بصورة سريعة تنبؤية، كما يوفّر الذكاء الاصطناعي أدوات لمساعدة العاملين في مجال الصحافة على تحديد الأخبار الزائفة، مما يمنح المحررين الفرصة لبناء التقارير بشكل متوازن وموضوعي غير متحيز، مستندين إلى تحليل المعلومات الدقيق وليس العاطفة الشخصية أو المسيسة، وسيكون لذلك تأثيرات إيجابية على تلك المؤسسات منها – على سبيل المثال لا الحصر – تخفيف العبء المالي عنها، وتطوير مخرجاتها الإخبارية للصمود في وجه التنافس الإعلامي الشرس، وأهم من ذلك تطوير الأداء المهني للصحفيين وقدراتهم بما يوائم متطلبات المستقبل الجديد، وفق مقالة الكاتب التي نشرتها شبكة الصحفيين الدوليين.

وأياً كانت آراء المستفيدين أو المتضررين من الذكاء الاصطناعي، فإنها لن توقف عجلة التطور التي تشهدها المؤسسات العالمية ولاسيما الخاصة بوسائل الإعلام، ولعل ما جرى من تطورات سابقة يكفي ليكون درساً للمؤسسات الإعلامية كي تواكب ما يجري، وإلا سيكون مصيرها التوقف، أو خسارة جزء كبير من جمهورها، كما حصل خلال القفزات التقنية السابقة.

يمكنكم قراءة المادة كاملة من الموقع الناشر على هذا الرابط: https://bit.ly/3RilQwK