مبدأ التقاضي على درجتين هو من مبادئ القضاء المرتبطة بمفهوم تحقيق العدالة، وهو حقٌ مصانٌ لطرفي الخصومة بأن يعرض كل منهما دفوعه وخصومته أمام أكثر من محكمة للنظر والبت فيها، وذلك للسماح لمن أخفق في دعواه عرض النزاع نفسه أمام محكمة أعلى درجة لتفصل فيها من جديد إما بالإقرار، أو التعديل، أو الإبطال.
فمجالس الحكم وفضّ النزاعات بكل أشكالها لا تأخذ أحكامها درجة القطعية ما لم تسمح في تنظيمها وقواعد تشكيلها للمتقاضين نقل الخصومة لمستوى أعلى أو مختلف عن مصدر الحكم الأول إلا في حالات استثنائية محدودة.
ولأنَّ هذا المفهوم مبدأ عام لا يمكن تجاوزه بمجرد نقل أي خلاف للاحتكام بهدف الوصول لحق يدعيه شخص هو عند آخر ينكره عليه، فإن (ميثاق شرف للإعلاميين السوريين) أخذ بهذا المبدأ عند وضع التعليمات التنفيذية لنظام الشكاوى، وإن كان هذا النظام في شكله ومحتواه بسيطًا ولا ينتج عن قرارات لجانه أي آثار قانونية مُلزِمة، إنَّما قراراته تحمل طابعًا أخلاقيًا وأدبيًا، إلا أنَّه وفَّر هذا المستوى لمبررات وأهمية تحقيق العدالة في تشكيل لجنة المراجعة وعضويتها وفي طريقة تقديم هذا الطلب وإعادة النظر فيه.
التشكيل والعضوية في لجنة المراجعة
لجنة المراجعة (محكمة درجة الثانية) كمرجع استئنافي تتكون من ثلاثة أعضاء يرأسهم أحدهم بالتوافق أو الأغلبية، ويجب أن تتوفر في أعضاء لجنة المراجعة الشروط ذاتها المطلوبة في أعضاء لجنة الشكاوى (محكمة الدرجة الأولى)، وتمت إضافة فترة خبرة وحدّ أدنى للسن القانونية كشرط لعضوية لجنة المراجعة يزيد خمس سنوات في كلا الشرطين عن متطلبات العضوية في لجنة الشكاوى.
هذا الوضوح في التوصيف من خلال استخدام عبارات الاستئناف والطعن والمراجعة يؤكد اعتبار هذه اللجنة درجة ثانية في مسار التقاضي وأعلى من الناحية الوظيفية من لجنة الشكاوى، ويضاف إليها الاعتبارات والشروط المرعية في اختيار أعضائها.
إنَّ مبررات هذا الاختلاف في شروط عضوية لجنة المراجعة (محكمة الدرجة الثانية) نابعٌ من ضرورة إعادة النظر بملف الشكوى من أشخاص مميزين وأكثر خبرة ومعرفة من لجنة الشكاوى (محكمة الدرجة الأولى)، وذلك لقطع شكّ الجهة المستأنفة بيقين لجنة المراجعة باعتماد قرار لجنة الشكاوى أو تصحيح القرار من خلال التعديل عند الخطأ في التقدير والحكم من لجنة الشكاوى.
تحليل طلب المراجعة
يحق لأحد الأطراف الطعن بقرار لجنة الشكاوى (محكمة الدرجة الأولى) خلال 14 يومًا من تبلغه قرار اللجنة، وهو حق غير ملزم لأطرافه، بل اختياري، إلا أنَّه ليس مطلقًا، بل مقيد بمدة يسقط عقبها هذا الحق لضمان الاستقرار في الاحكام والحقوق وعدم التعسف في استعمال الحق بالمراجعة.
ويقيد منسق اللجنة طلب المراجعة الذي يجب أن يكون مشفوعًا بالأسباب التي تشكك في صحة قرار لجنة الشكاوى، فالطعن بالقرار ليس القصد منه الرفض لأجل الرفض بقدر ما هو وسيلة لبيان الأسباب التي هي جوهر الطعن ومادته التي تشكل قيمة مضافة لعملية التحقيق والحكم التي أصدرتها لجنة الشكاوى، وتتولى لجنة المراجعة (محكمة الدرجة الثانية) دراستها بالكلية آخذةً بعين الحسبان أسباب الطعن وإحاطة مقدم الطلب.
ولا بدَّ من التنويه هنا إلى نقطة مهمة أشارت إليها التعليمات التنفيذية عند تقديم الطلب، وهو وجوب إبلاغ الطرف الآخر بمضمون الطلب حتى يتثنَّى له أيضًا تحضير ما لديه من أسباب في مواجهة الادعاءات الجديدة، وتأكيد استقلالية هذه الدرجة من التقاضي يظهر بهذا الإبلاغ
ودوره في تحديد الجهة الثانية أمام لجنة المراجعة، بحيث يتوفر منطق الخصومة مجددًا، وإلَّا فبدونه تكون العملية أقرب للإدارية منها للقضائية.
وبعد ذلك يقوم منسق اللجنة بإحالة ملف الطعن ووثائق الشكوى إلى لجنة المراجعة التي بدورها لديها خياران بعد الدراسة والاطلاع، إما التصديق أو التعديل، وليس واضحًا هنا إن كان التعديل يشمل الإبطال لقرار اللجنة مع أنَّه في مدلوله اللغوي يقصد به تغيير الجزء أو البعض من الكل لا سيَّما أنَّ الشكوى الإعلامية على درجة عالية من الحساسية قد تؤدي إعادة النظر فيها في حال وجود ثغرات إلى تغيير كبير في الحكم.
وبعد ذلك يبلِّغ منسقُ اللجنة الأطرافَ بقرار لجنة المراجعة الذي يصدر مبرمًا، ومن المفترض أن يتبعه التنفيذ بغض النظر عن طبيعته، والمنطق القانوني يفترض هنا لدى الأطراف قبولاً بالحكم النهائي بغض النظر عن مضمون القرار كون أنَّ أحد الأطراف قدَّم الطلب والآخر تمَّ تبليغه بمضمونه.
إنَّ العدالة التي يسعى لها البشر هي عدالة غير كاملة؛ لأنَّ الإنسان هو من ينسج خيوطها وهو بطبعه معرض للوقوع في الخطأ سواء في الإدراك أو التطبيق أو الفهم، ويُرمّم هذا النقصان في القضاء بدرجات التقاضي.
وأخيرًا لابدَّ من التنويه إلى أنَّ اعتماد نظام الشكوى للدعوى والتقاضي الإلكتروني يترتب عليه الوقوع في بعض النقاط السلبية مقابل تحقيق أخرى إيجابية، فلابدَّ من تلافي تلك الثغرات في نظام الشكاوى، فالتقاضي الإلكتروني مُعرَّض للقرصنة والتزوير ولا يحقق العلانية في التقاضي، لذلك لابدَّ من توفير الحماية الإلكترونية لملفات الدعوى بكل مراحلها وإشراك الأطراف في مناقشات الدعوى (أونلاين) للاستماع والدفاع، ومن باب الإنصاف فإنَّ هذا النظام يحقق السرعة والسهولة في الوصول للمعلومات والتبليغ.
تقرير: غسان الجمعة – صحيفة حبر