تنطوي التغطية الصحفية لقضايا الأطفال وإجراء المقابلات معهم على مسؤولية أخلاقيّة كبيرة، لا سيما خلال تواجدهم في مناطق الصراعات وأماكن النزاعات وبأوضاع حسّاسة، ما يحتم أن يتسلّح الصحفي بمجموعة من المبادئ الأخلاقيّة التي تشكّل أرضية الصحافة التي تضمن حقوق الطفل وتنقل صورة تليق به ولا تلحق الأذى به.
وفي مقدّمة المبادئ الأخلاقية المتبعة في إعداد التقارير الإعلامية حول الأطفال، ينبغي أن يحترم الصحفيون الأطفال ويحفظوا كرامتهم في جميع الظروف، إضافةً إلى إيلاء اهتمام خاص بحق جميع الأطفال فـي الخصوصية الشخصية والسرية، وفي الاستماع إلى آرائهم، وفـي المشـاركة باتخـاذ القـرارات التي تمسـهم وفـي توفير الحمايـة لهم مـن الأذى والعقاب، بما في ذلك حمايتهم من احتمالية أو إمكانية تعرضهم للأذى والعقاب.
وتدخل ضمن أخلاقيات التغطية الصحفية لقضايا الأطفال حماية مصالحهم الفضلى وإيلائها الأولوية على اعتبار أي أمر آخر، حتى لو كان كسـب الدعــم والتأييـد لقضاياهم وتعزيـز حقوقهـم. ولتحديد هذه المصالح، يجب منح الطفل الحق في إبداء وجهات النظر والاهتمام بها بحسب عمره ومستوى نضجه.
وتُضاف إلى المبادئ الأخلاقية التي يجب أن يتبعها الصحفي، أن يقوم باستشارة ذوي الطفل أو الأوصياء على وضعه لتقييم وضع الطفل وما يترتّب على أي تقرير من تداعيات سياسية واجتماعية وثقافية.
وبما أنّ تفادي الأذى والامتناع عن إلحاق الضرر في صلب الأسس الأخلاقية للتقارير الصحفيّة، ينبغي أن يمتنع الصحفيون عن نشر أي مادة إخبارية أو صورة قد تعرّض الطفل للخطر، ومن المهم في الكثير من الحالات طمس هوية الطفل وتغيير اسمه، إلا بحال كان التقرير عن إنجازٍ قام به وقد وافق ذووه على إعداد مقابلة معه ونشرها.
ولهذا قبل إجراء مقابلة مع أي طفل حول أي موضوع، على الصحفي ألا ينسى أنّ الشخص الذي يقابله لا يزال طفلًا ويجب الحفاظ على صحته النفسية وعدم إعادته إلى حالة الصدمة، خصوصًا اللاجئ أو الذي شهد حروبًا ومواقف مؤلمة. وعلى الصحفي أن يعي أنّ صوته ونوع الأسئلة التي يطرحها وحتى طريقة وقوفه قد يكون لها تأثير سلبي على الأطفال. ولهذا يجب أن يلتزم الصحفي بكل المبادئ الأخلاقية الآنفة الذكر واختيار مصطلحات دقيقة ولغة مناسبة لعمر الطفل مثلًا بدلاً من أن يقول الصحفي للطفل “هل سمعت صوت رصاص؟”، يمكنه أن يسأله عمّا سمعه بشكل عام وماذا حدث وأن يدع الطفل يكمل الحديث. ومن المهم أن يسأله إذا ما كان يريد أن يأخذ بعض الوقت ليرتاح خلال المقابلة.
قبل إجراء المقابلة
مبادئ توجيهية لمقابلة الأطفال
لا تميز في اختيار الأطفال للمقابلة بسبب الجنس أو العرق أو السن أو الدين أو الحالة أو الخلفية التعليمية أو القدرات البدنية.
على الصحفي أن يتأكد من الحصول على إذن لإجراء المقابلة أو التصوير. بشكل عام، على الصحفيين السعي للحصول على إذن الوالدين من أجل إجراء مقابلة مع الأطفال، وهناك استثناء واحد يتمثّل بالحالة التي يكون فيها أحد الوالدين قد تسبب في صدمة للطفل. يوفر الحصول على إذن الوالدين فرصة للصحفي لشرح ما يعمل عليه بشكل مناسب وكيف سيتم استخدام أفكار الطفل، حتى تتمكن العائلات من اتخاذ قرار مستنير بالموافقة.
على الصحفي أن يقترب من الشخص الذي يريد مقابلته متمسكّا بكل الأخلاقيات ومحترمًا حقوقه.
يجب ألا يضغط الصحفي على القاصر أبدًا من أجل إجراء مقابلة، ومن واجباته المهنية والأخلاقية التعريف عن نفسه وعن المؤسسة الإخبارية التي يعمل معها وتزويد الطفل بكلّ التفاصيل حول التقرير ومن هو الجمهور المتوقع.
على الصحفي أن يبلغ الطفل أنّ بإمكانه رفض إجراء المقابلة.
عند إجراء المقابلات
يجب إبلاغ الأفراد الذين يتم التواصل معهم لإجراء المقابلات بالعواقب والتداعيات المحتملة.
يجب تقييم صحة الأشخاص الذين تمت مقابلتهم، بما في ذلك الصدمات الجسدية والنفسية.
في حالة وجود اختلاف في اللغة بين الصحفي والطفل، يجب طلب مترجم فوري من أجل ضمان ترجمة دقيقة واحترام رأي وثقافة الطفل الذي تتم مقابلته.
على الصحفي تحديد مكان للمقابلة يشعر فيه الأطفال بالراحة ولا يخافون فيه، ويجب السماح للأطفال فوق سن العاشرة أن يقرروا مكان وزمان إجراء المقابلة.
إذا كان الطفل يفضل أن يكون معه شخص بالغ آخر أو صديق خلال المقابلة، على الصحفي القبول فورًا.
يجب إبلاغ الطفل أنّه غير ملزم بالإجابة على جميع الأسئلة وأنّ بإمكانه إيقاف المقابلة في أي وقت.
لا تطلب من الأطفال أن يرووا قصة أو يتخذوا إجراءً ليس جزءًا من قصتهم.
لا تؤذي أي طفل، تجنب الأسئلة أو المواقف أو التعليقات التي تصدر أحكامًا ولا تراعي القيم الثقافية، والتي تعرض الطفل للخطر أو تعيد تنشيط آلام الأحداث الصادمة.
بعد المقابلة
على الصحفي أن يعطي الطفل والعائلة بطاقة العمل الخاصة به أو معلومات الاتصال المهنية وإبلاغهم أنّه مرحّب بهم للتواصل طرح أي سؤال.
التحلّي بالمسؤولية وقياس المخاطر عند تحرير القصة.
الحفاظ على الخصوصية ومحاولة عدم كشف الهوية.
ذكر المعلومات الشخصية بحال كانت مرتبطة مباشرةً في فهم القصة.
عدم إظهار أي عنصر يمكن أن يؤدي إلى التعرف على هوية الطفل لا سيما إن كان لاجئًا أو في وضع غير آمن.
وتدخل الاعتبارات الأخلاقيّة في مسألة تصوير الأطفال أو تغطية قضاياهم، كالحالات التالية:
الأطفال المتهمون بارتكاب جرائم
تختلف القواعد المتبعة من قبل المؤسسات الإخبارية بما يتعلّق بتحديد إمكانية ذكر إسم ونشر صورة طفل متهم بجريمة معيّنة، ويدخل العمر وما إذا كان الطفل يمثل أمام المحكمة في العوامل المحدّدة لقرار تصوير الطفل.
الأطفال الضحايا أو الشهود على الجرائم
تميل معظم المؤسسات الإعلاميّة إلى احترام طلب عدم الكشف عن هوية طفل إذا كان ضحية جريمة أو إذا كان شاهداً على جريمة، حتى لو تم تقديم الاسم في المحكمة.
حالات أخرى
يدخل عامل السرعة والسبق الصحفي أحيانًا في قرار التصوير، على سبيل المثال، بحال حصول إطلاق نار في مدرسة، غالبًا ما يكون من غير العملي الحصول على إذن الوالدين لالتقاط صور أطفال يركضون خارج المبنى أو ترافقهم الشرطة. وترى الكثير من المؤسسات الإعلاميّة أنّ الطبيعة الاستثنائية للقصة تسمح بالمضي قدمًا بدون إذن الوالدين. ومع ذلك، يطلب صحفيون هذا الإذن للتحدث مع الطلاب، لا سيما في المواقف المؤلمة وحالات الصدمة.
قم دائمًا بتغيير الاسم وإخفاء الهوية لأي طفل يتم تحديده على أنه:
– ضحية الاعتداء الجنسي أو الاستغلال.
– مرتكب الاعتداء الجسدي أو الجنسي.
– مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية.
– متهم أو محكوم عليه بجريمة.
في ظروف معينة تنطوي على مخاطر أو مخاطر محتملة للضرر أو الانتقام، قم بتغيير الاسم وإخفاء الهوية لأي طفل تم تحديده على أنه:
– طفل مقاتل حالي أو سابق.
– طالب لجوء أو لاجئ أو نازح داخليًا.
إرشادات أخلاقية
يسعى الصحفيون والمؤسسات الإعلامية إلى الحفاظ على معايير السلوك الأخلاقي في تغطية القضايا المرتبطة بالأطفال، ولهذا عليهم:
السعي لتحقيق معايير الدقة والحساسية عند الإبلاغ عن قضايا الأطفال.
تجنب برمجة ونشر الصور التي تضر بالأطفال.
تجنب استخدام القوالب النمطية والعروض المثيرة للترويج للمواد الصحفية التي تشمل الأطفال.
النظر بعناية في عواقب نشر أي مادة تتعلق بالأطفال وتقليص الضرر.
حماية الأطفال من التعرف عليهم.
تجنب استخدام الصور الجنسية للأطفال.
استخدام طرق مباشرة للحصول على الصور، وذلك بمعرفة وموافقة الأطفال أو ذويهم أو الأوصياء.
التحقق من أوراق اعتماد أي منظمة تزعم التحدث باسم أو تمثيل مصالح الأطفال.
عدم دفع مبالغ مالية للأطفال مقابل إجراء المقابلات.
كيفية الإبلاغ أخلاقيًا عن الأطفال المتضررين من الصراعات
نشر مركز دارت للصحافة والصدمات ورقة إرشادات أعدّها صحفيون قاموا بإجراء تقارير عن الأطفال خلال الحروب وحالات الطوارئ، وتطرّقت الورقة إلى كيفية القيام بالتغطية الصحفية الأخلاقية لقضايا الأطفال الذين تأثروا مؤخرًا بالحرب الروسية على أوكرانيا.
ومن أبرز المبادئ الأخلاقية التي نشرتها الورقة التي تركّز على الاحترام والشفافية، أن يسأل الصحفي نفسه إذا كانت المقابلة مع الطفل ضرورية أو يمكن إجراؤها مع شخص بالغ، أو سردها بالاستعانة بموارد أخرى مثل البيانات.
وتذكّر الورقة الصحفي بأنّه ليس طبيبًا نفسيًا ولا صديقًا، لذلك عليه ألا يقدّم الوعود للطفل كأنه سيتحسّن بحال أجرى المقابلة. وهنا يقول إسماعيل إيناش، الكاتب الحائز على جوائز وكبير الصحفيين في Lost in Europe، وهو مشروع صحفي عابر للحدود يحقق في اختفاء الأطفال المهاجرين في أوروبا، إنه من المهم أن نكون صريحين. هذه إحدى الطرق التي يتعامل بها مع العائلات، أي القول على سبيل المثال: “التحدث معي لن يغير وضعك، لكنه قد يساعد الناس على فهم محنة الأشخاص في مخيمات النازحين، أو تجارب الأطفال اللاجئين”.
ويبرز التعاطف أيضًا في الورقة التي تنصح الصحفي بالتعاطف مع الطفل. ويقول جنكيز يار، وهو مصور وثائقي ومحرر صور يقيم حاليًا في ولاية تكساس، وقام بإعداد مشروع وثائقي بعنوان “أطفال سوريا”: “فكر في الطريقة التي تريد أن يعامل بها الصحفي طفلك إذا انعكست الأدوار”.
وأخيرًا تذكّر ثلاثة أمور:
عامل الأطفال باحترام.
لا تضحك على أي شيء قد تسيء إلى الطفل.
استمع جيدًا.
مصدر المقال: شبكة الصحفيين الدوليين
لقراءة المقال من الموقع الأصلي اضغط هنا