بحضور عربي وأجنبي.. منتدى حول “صحافة السلام” على هامش مؤتمر بروكسل

 

اختتمت هيئة ميثاق شرف للإعلاميين السوريين، في العاشر من الشهر الحالي، منتدى حوارياً، حول “تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على صحافة السلام”، عبر تقنية “الزوم”، شارك فيه نحو 50 صحفيا وصناع قرار في مؤسسات إعلامية ومنظمات مجتمع مدني سورية، ومن دول عربية وأجنبية.

 

بدأ ميسر المنتدى ميسر المنتدى أكرم الأحمد عضو مجلس إدارة ميثاق شرف للإعلاميين السوريين، بالحديث حول الصحافة بشكل عام في سوريا مع بداية الصراع وتحول المنطقة إلى نقطة جذب لكبريات وسائل الإعلام وتحول الحدث المحلي، لشأن عالمي، أبرز الحاجة لسد الثغرة المعلوماتية والحاجة للقواعد المهنية للصحافة، وحتمية البحث عن “صحافة السلام”.

 

استعرض الأحمد تطور المفردات الإعلامية في “صحافة السلام” و “الصحافة الحساسة للنزاع” و”صحافة الحرب” على مدى 12 عاماً، في الصحافة التي غطت ما جرى ويجري في سوريا من أحداث، وركز على مفردات كل من الإعلام البديل (المؤسسات المستقلة) و(المؤسسات التابعة للفصائل) والإعلام الحكومي، موضحاً الفوارق بينها.

 

كيف يتحول الإعلام إلى إعلام موالاة ويغذي خطاب الكراهية؟

وتناول الأحمد أول محاور المنتدى المتعلق بتنفيذ الفاعل الإعلامي لأجندات سياسية وعسكرية، موضحاً أن ذلك يؤدي لتوسع صحافة الموالاة وغياب القيم المهنية وانتشار الشائعات، مشيراً إلى ظهور لغة إعلامية معقدة وشعارات جديدة، جعلت رؤية الإعلام للأحداث متطابقة مع رؤية السلطات أو الممولين، ما أدى لتغذية الانقسام والكراهية، وتصدير الحرب على أنها الحل الوحيد، مستخدمة القوة الثالثة الذكية بشكل سلبي، ما يجعل المدنيين طرفاً في الحرب، واختزال الصراع بـ “المؤامرة”.

 

من جهتها قالت الصحفية سلوى عبد الرحمن خلال مداخلتها بهذا الخصوص إن “تنفيذ الفاعل الإعلامي أجندة عسكرية وسياسية ينتج عنه آثار سلبية، يمكن أن تتسبب في تأخر مرحلة الانتقال السلمي، وضياع الحقوق، كما يؤدي إلى استفزاز مشاعر أهالي الضحايا وتأجيج الصراع بين شرائح المجتمع، إضافة لتشويه الحقائق والتغطية على الجرائم التي يرتكبها العسكريون والسياسيون، والتأخر في محاسبة مرتكبي الجرائم.

 

وأضافت “إن التغطيات للأحداث الجارية في سوريا منذ 2011 عبر وسائل اعلام النظام تؤكد انحيازها لأجندات عسكرية وسياسية، فقد حاول القائمون على القنوات التلفزيونية والإذاعات والصحف من خلال المواد التي يعرضونها والمصطلحات المستخدمة كاستخدامه مصطلح إرهابيين على نشطاء الثورة والمعارضين له، بهدف تشويه الحقائق وتأجيج الصراع الأهلي والطائفي أكثر بين شرائح المجتمع السوري”.

 

صحافة السلام في سوريا.. الحالة الراهنة وآفاق المستقبل

انتقل الميسر للحديث حول صحافة السلام الراهنة في سوريا، وآفاق مستقبلها، مستعرضاً التطور الذي شهدته بعض وسائل الإعلام، في ظل إفراد المساحة الأكبر لأخبار الحرب، والأحداث غير العادية، تزامناً مع قلة الأبحاث والمواد الاستقصائية حول الحرب ونتائجها، واعتبار بعض الصحفيين أن مهمة السلام منوطة بالكتل السياسية، مع التركيز على الأحداث السلبية التي تستهوي الجمهور، مع غياب الاستقلالية أو هشاشتها لارتباطها بالتمويل وعدم ثباته.

 

وأشار الأحمد إلى أن الصحافة المستقلة عانت ضعفاً في عدة مجالات ولاسيما المعرفة بدور الصحفي في التغطية والطرق المهنية لها، بالإضافة إلى افتقارها للتعاون مع مسارات السلام، وإدراك المفردات والكلمات الانفعالية، وقلة اهتمامها بتصحيح الفهم والإدراك للأحداث.

 

وتابع الأحمد خلال حديثه عن تعرض “صحافة السلام” إلى الانتقادات، ومنها: “دور الإعلام بين تحسين الواقع أو نقله، والتغطية التي تساوي بين الجلاد والضحية على جانبي النزاع، بالإضافة إلى بقاء الإعلام مستقلاً عن أي استراتيجيات ولو كانت ذات أهداف نبيلة”.

 

من جهتها أكدت الإعلامية اللبنانية ديانا زين أن “الصحافة في لبنان مؤثرة في الرأي العام، على عكس ما كانت سابقاً في الصحافة الورقية، “فقد سمحت وسائل التواصل الاجتماعي بأن تنتشر الأخبار الكاذبة، ومن واجبنا كصحافة أن نعري هذه الأخبار، ونظهر الحقيقة، وإذا أردنا أن نصطف مع جهة ضد جهة فلن نستطيع أن ننتج خبراً موضوعياً”.

 

وأضافت أن “القواعد الأخلاقية هي أساس لصحافة السلام، ويجب ان يكون الصحفي على مسافة واحدة من جميع الأطراف، كي نصل لصحافة السلام، ويجب علينا احترام أنفسنا من خلال احترامنا لمصداقية الخبر الذي ننشره”.

 

في حين قالت وجيهة الحجار – محامية، والمديرة التنفيذية لمنظمة “بلدي” في مداخلة إن صحافة السلام الحالية في سوريا لم تقم بدورها حتى الآن، وأنها لم تأخذ حقها في الانتشار لعدم الإضاءة عليها، ولم تأخذ مساحة كافية كي تنتشر.

وأضافت: “أتوقع أن الصحافة لها دور في الحل السياسي لأنها إحدى قوى التغيير”، معتبرة صحافة السلام منفذاً لنا كي نعمل بشكل صحيح، من خلال تعزيز دور صحافة السلام ومناصرة منظمات المجتمع المدني لهذه الصحافة.

وأضافت الحجار إن “من الواجب مناصرة قضايا الصحفيين والصحفيات وعدم تجنب الإضاءة على مواقفهم/ن والمخاطر والتحديات التي يتعرضون ويتعرضن لها سواء كصحافيين/ات مستقلين/ات، أو حتى كشبكات إعلامية مستقلة، لأنه بوجهة نظري إن كانت الصحافة حرة ومستقلة وصوتها مسموع، سوف تساهم بشكل كبير بعملية التغيير السياسي في سوريا”.

 

زيدون الزعبي -باحث في قضايا الحوكمة وخبير مجتمع مدني سوري- قال “إن الإعلام المستقل قدم شيئاً لافتاً للقضية السورية، وإن منظمات المجتمع المدني بكافة أطيافها بما في ذلك الإعلام المستقل، عليها أن تأخذ دورها في ظل التغيرات التي تشهدها المنطقة العربية والشرق الأوسط بشكل عام، مشيراً إلى تنامي قوة وزخم عمل هذه المنظمات منذ عام 2010، وأن هذا يجعلها في مواجهة الأنظمة القمعية، التي تسعى لتحويلها لأدوات، مؤكدا على ضرورة التركيز على حماية دور الإعلام المستقل الذي أسس نموذج حوكمة فريد في سوريا، وذلك من خلال تأسيس مؤسسات حماية للمحتوى وأخرى تهتم بالثقافة، جعل المواطنين يستمعون إلى إعلام غير الإعلام الحكومي”.

 

وأضاف أنه “رغم كل محاولات إبعاد الإعلام المستقبل عن الساحة، يجب أن يبقى متماسكاً ويحافظ على قدرته على حماية الحقيقة، والحفاظ على وجود الإعلام المستقل، يعني أن نحافظ على مؤسسات المجتمع المدني التي يجب أن تكون جزءاً من العملية السياسية، وفقدانه يعني كارثة حقيقية، “ولعل ما جرى بالإعلام الإيراني المعارض خارج إيران يجب أن يكون درساً للإعلام المستقل في سوريا”.

وعن خيارات الإعلام المستقل في ظل المرحلة التي اعتبرها مرحلة تحولات تشبه إلى حد كبير مرحلة بداية القرن الماضي، أكد الزعبي أن “على الإعلام المستقل أن يثبّت أقدامه على كامل الجغرافية السورية، ويُوجد مراسلين وشركاء في كل سوريا، وعلى الإعلام المستقل أن يحضّر أكثر من موطئ قدم له في أكثر من مكان، وفي الأراضي السورية بمختلف مناطق السيطرة.

 

القواعد المهنية والأخلاقية ودورها بتعزيز صحافة السلام

أوضح الميسر، أنه في ظروف الحرب يزداد الانحياز إلى الانتماء، ما يؤدي إلى ازدياد الانحياز العاطفي على حساب الانحياز الموضوعي في حالات الحرب، وأن الحقائق تشوّه بوجود الفاعل الحربي، مؤكداً أن النزاهة لن تتحقق إلا من خلال وجود قيادة حوارات قادرة على الوصول لحلول مستدامة، وأن تجنب الدعاية لطرف معين على حساب طرف آخر، يساعد على نشر الحقيقة.

 

نجوى حسن -صحفية يمنية – موقع المشاهد نت- قالت إن “الصحافة في اليمن، لعبت دور سلبيا وما زالت تمارس هذا الدور إلى الآن، ونتحدث عن دور العديد من الاسباب الرئيسية التي تقف وراء ذلك بدرجة رئيسية، وتدخل مشكلة التعبئة للأطراف والصراع، حيث تستخدم بعض المؤسسات الإعلامية في اليمن إلى حد كبير خطاباً معيناً يخدم أفكار وأهداف أطراف الصراع”.

 

وأوضحت أن “من نتائج ذلك أن المواطن المتابع البسيط لم يعد يصدق أية تغطيات إعلامية خبرية، حتى ولو كان هنالك مواقع مستقلة، لأن الجمهور فقد ثقته تماما بالإعلام اليمني”، وأشارت إلى أنه “في نفس الوقت توجد مواقع تتبع معايير صحافة السلام، لكنها قليلة وتكاد تعد على الأصابع، إلا أن هذه المواقع تواجه صعوبات كبيرة جداً بسبب قلة الدعم.

 

كيف تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي على صحافة السلام؟

أشار أكرم الأحمد على سلبية وإيجابية دور وسائل التواصل الاجتماعي في تأثيرها على صحافة السلام، من خلال هروبها من الرقابة التي تفرضها السلطات، لتصبح في الوقت ذاته وسيلة رقابة من نوع آخر لما لها من تأثير، وأصبحت أحد أهم وسائل التواصل والحوار، من خلال إتاحة المجال للجميع بالنقاش والتعليق على أي منشور على وسائل التواصل، رغم المسافات والبعد.

 

وأضاف فيما يتعلق بإيجابية وسائل التواصل الاجتماعي، أن معظم المؤسسات الإعلامية أصبحت تنشر على هذه المنصات، لسرعة الوصول والانتشار، وذلك في ظل انقطاع الكهرباء وضعف الأنترنت في الداخل السوري، وأن وسائل التواصل الاجتماعي أسهمت بشكل كبير في نشر تقارير السلام، وأصبحت تعد إحدى وسائل التحقق من المعلومات لسرعة الوصول إلى أي نقطة في الداخل السوري، بالإضافة إلى قدرتها على مساءلة الأقوياء، وكشف زيف الإعلام الحربي، من خلال تكذيب المواد المفبركة ونشر صور تثبت كذب التقارير التي تصنع في المؤسسات الإعلامية، بالإضافة إلى دورها كمنصة للجميع لإثبات قدرتهم والقيام بدورهم في نشر قيم السلام، واكتشاف المواهب والأفكار السلمية المستلهمة من التجارب التي تعرض على صفحاتها.

 

أما عن الدور السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي فأشار الأحمد إلى أن هذه الوسائل كانت ملعباً خطراً لضخ وتغذية الأفكار والأخبار الطائفية، ما أسهم في تأجيج الصراع طائفياً، من خلال المنشورات والتعليقات الداعية للشحن الطائفي والقومي والإثني والعرقي، كما أعطت دوراً للمؤثرين السلبيين وكانت منصة لتخريب السمعة لبعض نشطاء السلام، إضافة إلى سطحية المحتوى الذي يقدمه بعض الناشطين على منصات التواصل الاجتماعي، والعمل على تكرار المعلومات الخاطئة التي تجبر الصحافة على تداولها، سواء لتكذيبها أو نقضها، أو لعرض ما يتداوله الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يجعلها عرضة للوقوع في شرك نشر الشائعات والأكاذيب.

 

ماذا تفعل الصحافة لتقليل التأثير السلبي لوسائل التواصل على السلام؟

أكد الأحمد أن على الصحفيين والمؤثرين والمؤسسات والقادرين على تنمية القوة الشعبية السلمية، التي ترفض خطاب الكراهية، والتزييف، الذي يضر بالمجتمع ككل، وتعمل على تنمية وتشكيل قواعد استقطاب لهذه الشخصيات التي يكون لها تأثير على وسائل التواصل الاجتماعي، كما أن على المؤسسات أن تعطي مساحات أكبر للجمهور لتشذيب المنتج الصادر على وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال إعطائه فرصة للظهور على المواقع التابعة للمؤسسات الإعلامية، بالإضافة على استقطاب التجارب الناجحة.

 

الصحفي عبد الصمد جطيوي -صحفي دولي مغربي وباحث بمجال الاعلام والأزمات- قال في مداخلته إن “صحافة السلام تكتسب أهميتها كونها أصبحت عملة نادرة، فعلى المستوى المهني والعملي، بدأ الصحفيون يشتغلون أكثر في مسألة الازمات، والازمات توفر خبراً وتوفر عملاً ميدانياً للصحفي، وهذا ما يجعل تسليط الضوء على صحافة السلام واجباً”، مؤكداً أن “من واجب الصحفيين أن يبتدعوا أو يبتكروا نوعاً من الصحافة السلمية والإيجابية”.

وأشار جطيوي إلى “ضرورة أن يكون الصحفي إلى جانب كونه إعلامياً مهنياً موضوعياً محارباً للكذب ودقيقاً، أن يكون مسؤولا اجتماعيا، وأنا هنا أدعو إلى ضرورة تعزيز الصحافة بمعناها المهني، ولكن أيضا المسؤولية الاجتماعية مهمة جداً، بالإضافة إلى موضوع الأخلاقيات”.

 

الصحفية مزن مرشد رئيسة رابطة الصحفيين السوريين، تحدثت حول الواجبات المترتبة على المؤسسات الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني لتفعيل صحافة السلام، وأكدت بدورها على أن مداخلتها في هذا المحور بالذات جاءت لقناعتها الشخصية بالدور الكبير الذي تلعبه الصحافة في التوعية والتأثير.

 

وأكدت أن “الصحافة تواجه تحديًا كبيرًا في تقليل التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي على السلام، والذي يعتبر قضية مهمة وتحدٍّ جدي أمام العاملين بالمهنة أفراداً ومؤسسات وإدارات. وهنا تبرز أهمية الصحافة ودورها كرابط بين المجتمع والحكومات مع كافة المستويات الثقافية والفكرية والأيديولوجية من الجمهور، فهي لديها القدرة الفريدة على تحليل الأحداث وتقديم المعلومات الموثوقة والمتوازنة،  كحارس على الحقيقة والعدالة، يمكن للصحافة أن تلعب دورًا مهمًا في مكافحة انتشار الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة، وهذا ما عمل عليه بعض الزملاء في إطلاق منصات للتحقق من الأخبار الكاذبة والاشاعات، والتي برأيي هي واجب على كل صحفي أن يتوخى الدقة في معلومته قبل نشرها، حتى لو كانت هذه الدقة على حساب السبق الصحفي”.

 

من جهته.. تحدث معين أبو عاصي مدير برامج منظمة “بلدي” حول طبيعة عمل المنظمة التي تعمل في الجنوب السوري، وهي موجودة في السويداء، وتعمل في مجال السلم الأهلي والمجال القانوني، وقال: “أيقنا أهمية دور الإعلام في السلم الأهلي وبدأنا بمشروع الحوار الإعلامي في الجنوب السوري، باستهداف مجموعة من المنصات الصحفية العاملة في درعا والسويداء، بمجموعة من التدريبات التي انتهت بإنشاء مسودة ميثاق شرف إعلامي خاصة بالجنوب السوري، لمحاربة خطاب الكراهية مستفيدين من تجربة “ميثاق شرف للإعلاميين السوريين” وهي حاليا طور الإصدار للتوقيع”.

 

وأضاف أنه “انطلاقاً من إيمان القائمين على المنظمة بالدور الهام لضرورة ردم الهوة بين المؤسسات الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني، عملنا على مشروع “تمكين ١” و”تمكين ٢”، بالشراكة مع “رابطة الصحفيين السوريين” باستهداف مجموعة من المؤسسات الإعلامية، ومنظمات العمل المدني، بكافة الجغرافيات السورية.

 

كما تحدّث مرعي حسن الرمضان عن تجربة منظمة “ديرنا” للتنمية، في فترة الزلزال ودور الإعلام الإيجابي في نقل صورة المساعدات التي تم جمعها خلال حملة “هنا سوريا” التي أطلقتها منظمات المجتمع المدني في دير الزور والصعوبات التي لاقتها هذه المنظمات في إيصال المساعدات إلى شمال غرب سوريا، مشيراً إلى أن الإعلام كان له دور كبير في إدخال قوافل المساعدات لمتضرري الزلزال، وهذا ما أدى لردم الهوة التي تحاول السياسة والعسكرة أن تخلقها بين السوريين، وهذا يؤكد على أن الدور المهم الذي سينعكس على المجتمع في حال التشبيك بين المؤسسات الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني.