استمراراً لسعيها إلى تطوير وزيادة معرفة المؤسسات الموقعة على “ميثاق شرف”، والصحفيين المستقلين، ومنظمات المجتمع المدني السورية، بأهم القيم العالمية لمبادئ الأخلاق المهنية التي يحتاجها الإعلام للقيام بدوره، نظمت هيئة “ميثاق شرف للإعلاميين السوريين” مؤخراً ورشة تدريبية حول” القَواعد المهنيّة والأخلاقيّة لتغطية أنشطة مُنظمات المجتمع المدني”.
حضر الورشة، التي استمرت يومي الخميس والجمعة 15-16/6/2023، خمسة عشر إعلامياً من منظمات المجتمع المدني السورية، وذلك عبر تقنية “الزوم”، توزعت على ست جلسات على النحو الآتي:
بدأت المدربة الصحفية غصون أبو الذهب أعمال الورشة التدريبية بطرح تساؤل حول “ما إذا كانت المعايير الأخلاقية تتعارض مع جاذبية المحتوى الإعلامي”، وكانت إجابات المشاركين بالنفي، من خلال مداخلات قدمها بعض المشاركين، أكدوا فيها أن جاذبية المحتوى لها معايير، ويجب عدم مخالفة هذه المعايير، التي تميز المادة الإعلامية وتجعل المحتوى جاذباً.
وقالت ليال سنان – منظمة بلدي في مداخلتها إن المعايير الأخلاقية والمهنية، تؤدي لعدم إنتاج محتوى مؤذي وتبني جسور ثقة بين المؤسسة والجمهور، بينما أكد محمود دخيل – رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا أن المعايير والمدونات الأخلاقية تحدد واجبات وحقوق الإعلامي، وتبعده عن مشاكل قد تحدث معه، وذلك لأن عمل منظمات المجتمع المدني مع الجمهور، وقد يغطي الإعلامي قصة إنسانية حول أحد المستفيدين، ويُطلب بعد ذلك منه حذف القصة، لأنه أنتجها بلا ضوابط أو معايير.
من جهتها أبدت رامة ديب – صحفية، ناشطة عمل مجتمعي – رأيها في ما يحدث من إشكاليات أخلاقية في الصحافة، على مواقع المؤسسات الإعلامية أو وسائل التواصل الاجتماعي، بسبب عدم الالتزام بالمعايير والمدونات، في حين أكد علي عدرا في مداخلته أن منظمات المجتمع المدني تتقيد بالمدونات، رغم ما يجري على الأرض، محملاً مؤسسات إعلامية وبعض الجمهور مسألة ملاحقة “الترند” على السوشيال ميديا، دون أن يكون لمنظمات المجتمع المدني دور سلبي في ذلك.
مداخلات المشاركين لم تقتصر على الإجابات بل بدأ بعض المشاركين، بطرح تساؤلات تهمهم في عملهم، وتؤدي لتطوير عمل الإعلاميين في منظمات المجتمع المدني، إذ تساءل الإعلامي زياد هدلة عن السلطة التي تحاسب المخالفين أو المنتهكين سواء من المؤسسات الإعلامية أو الأشخاص والحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي.
انتقلت أبو الذهب لتعريف مدونات السلوك، مستعرضة تعريف مدونة السلوك المهني والأخلاقي الخاصة بـ” ميثاق شرف للإعلاميين السوريين”، والمبادئ الأخلاقية الإعلامية العامة، المقرّة في المواثيق والإعلانات والعهود العالمية، التي تبناها الميثاق في المدونة.
أكدت المدربة خلال حديثها أن على المؤسسات الإعلامية والمنظمات تحري الدقة عند النقل من اللغات الأجنبية، والحذر من الوقوع في الفهم الخاطئ لمعاني الكلمات ومقاصدها بلغتها الأصلية، والابتعاد عن الترجمة الحرفية التي قد لا تنقل المعنى بدقة، إضافة إلى تأكيدها أن عليها ذكر الأسماء الحقيقية للأشخاص والمسؤولين والجهات التي تنقل عنهم، وتجنب استخدام الأسماء الوهمية أو الحركية عندما لا يكون لذلك مبررات مهنية وأمنية.
كما أشارت إلى أن من واجب وسائل الإعلام توخي الدقة عند نشر أخبار من شأنها إثارة الذعر أو الفوضى، كأخبار الكوارث والأمراض والحروب، والاعتماد على مصادر مسؤولة ومختصة، موضحة أن تحري الحقيقة يقترن بالدقة المشروطة بأمور يجب على الصحفي الالتزام بها، وعلى رأسها الإجابة عن الأسئلة الأساسية الخمسة (من، ماذا، أين، متى، لماذا)، وعدم نقل الإشاعات والمعلومات غير المؤكدة التي لا مصدر موثوق لها، مؤكدة على ضرورة تقديم قيمة التحقق من مصادر المعلومات، على مبدأ “السبق الصحفي”.
واستعرضت المدربة أدوات يمكن للإعلاميين الاستعانة بها لتدقيق المعلومات قبل النشر، ومن ضمنها أدوات تساعد على التحقق من الأماكن، وأخرى تساعد على التحقق من الوقت والتاريخ، وكذلك التحقق من الأشخاص وأرقام الهواتف، بالإضافة إلى مواقع إلكترونية يمكن أن تفيد في نفي أو تأكيد أخبار متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي.
وحول النزاهة التي يجب على الإعلام والصحافة الالتزام بها أكدت أبو الذهب أنه على الصحفي أن يتحمل المسؤولية عن دقة عمله خلال وبعد النشر، ويصحح أو يحذف المعلومات غير الدقيقة مع الإشارة لذلك، بالإضافة إلى رفض تحقيق مكاسب شخصية نتيجة نشر معلومات أو حجبها، وتجنب القيام بأي نشاط يمثل دعاية تجارية كانت أو سياسية، والحذر من استغلال العمل للحصول على امتيازات عامة أو مكاسب مادية أو معنوية.
المدربة أكدت خلال الجلسات على ضرورة تعريف المصدر بحقوقه التي تتضمن الإلمام بطبيعة عمل الصحفي، والغرض من المقابلة، والموافقة المستنيرة، والاحترام، واستيعاب النتائج المترتبة على المقابلة قبل وبعد النشر، والتراجع والرفض بعد المقابلة.
وأشارت إلى توفير الحماية اللازمة للمصادر، من خلال عدم إفشاء أسرارهم الشخصية، والتعامل بإنصاف واستقامة مع المصادر حتى ولو كانوا من المجرمين المدانين أو المتهمين، وعدم نشر صور المتهمين في مراحل التحقيق الأولية، كما أن للمصدر الحق في الحماية من أي تداعيات سلبية تترتب على إعداد المادة ونشرها وبثها.
ناقش المشاركون بعد ذلك قواعد حول التحقق من المصادر، ونسبة القول إلى أصحابه والمعلومة إلى مصدرها، بالإضافة إلى استعراض أهم الإشكاليات الأخلاقية للصحافة في عالم الإنترنت والسوشيال ميديا، والتأكيد على احترام الخصوصية، والحقوق الفكرية.
كذلك شرحت أبو الذهب بعض الانتهاكات لقواعد مدونة السلوك المهني والأخلاقي، الخاص بـ “ميثاق شرف للإعلاميين السوريين”، وركزت على “التمييز” بكافة أشكاله، مبينة الخطوات التي يستطيع من خلالها الإعلامي إنتاج محتوى خالٍ من التمييز، إضافة إلى “المسؤولية تجاه الأطفال”، والخطوات الواجب اتخاذها قبل التصوير أو إجراء مقابلات معهم، وأوضحت أن مسؤولية الإعلاميين تتضمن كرامة الطفل، وخصوصيته، بالإضافة إلى الموافقة المستنيرة قبل إجراء أي لقاء أو حوار أو التقاط صورة للطفل.
ختام الورشة التدريبية كان تدريباً عملياً للمشاركين على رصد ومناقشة الانتهاكات في بعض الفيديوهات التي انتشرت على مواقع مؤسسات إعلامية، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وأبدى المشاركون ملاحظاتهم على هذه الفيديوهات من خلال ما تلقوه خلال التدريب.
آراء بعض المشاركين
وعن رأيه بما تلقاه خلال الورشة التدريبية قال ضياء – مشرف إعلامي بمنظمة شفق- إنه تعلم أن على الإعلاميين أن يكونوا منفتحين وشفافين في تغطية أنشطة منظمات المجتمع المدني، وأن عليهم الاعتماد على المصادر الموثوقة، والتحقق من صحة الأخبار قبل نشرها، إضافة إلى عدم التحيز الشخصي أو السياسي، مع الالتزام بأعلى معايير الأخلاق في جمع المعلومات، ونشرها، والمحافظة على سرية المصادر، وتجنب الاستخدام غير المشروع للمعلومات الشخصية.
رامة ديب – صحفية، ناشطة عمل مجتمعي – قالت إن الورشة تميزت بتسلسل ملفت للمعلومات حيث أن كلُّ فقرة توصل لما بعدها؛ وهذا ما سهَّل توضيح وفهم المعلومات أكثر، واعتبرت الورشة ذات منحى مهني تخصصي بيّن دور الإعلام لتغطية العمل المجتمعي وبيّن عمل المكاتب الإعلاميَّة ضمن هذا النوع من المؤسسات/الفِرَق، وكان أحد مخرجات التدريب أهمية العمل على دليل/ توصيات لأساسيات المعايير الأخلاقيَّة والمهنيَّة والقانونيَّة بما يتوافق مع قيمنا ومجتمعنا.
أما الصحفي ومسؤول الإعلام والمناصرة في رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا محمود دخيل فأكد أنه اكتسب من خلال مشاركته في الورشة التدريبية معلومات مهمة “ولاسيما أهمية مدونة السلوك في المؤسسات الإعلامية، وكذلك التعاريف الأساسية في طرق النشر والفرق بينها، والتعرف على أهم الانتهاكات كالقدح والتشهير والتجني وغيرها”.
شهد فيض الله – جمعية اللمة السورية- أكدت أن الورشة غيرت منظورها تماما لمهنة الصحافة، وقالت: ” كنت أعتبر الصحافة مجرد مهنة لنقل الأخبار وتوثيقها، لكني اكتشفت من خلال الورشة أنها مهنة عظيمة، نبيلة جداً، ولو التزم القائمون عليها بالنزاهة، لأمكن من خلالها تغيير حال مجتمع بأكمله، واستطاعت إيصال أصوات من لا تسمع أصواتهم”.
وعن المعلومات التي اكتسبتها خلال الورشة قالت: “اكتسبت معلومات قيمة وأهمها، حقوق الأشخاص أمام الكاميرا، وكيف يجب أن نتعامل معهم، واحترام خصوصيتهم، لما لذلك من تأثير يمكن أن يكون سلبياً على حياة ومستقبل هؤلاء الأشخاص”.
محمد تقي الدين الإبراهيم – مصور صحفي وكاتب بموقع حكايات سوريا- قال إنه “بحكم مجال عملي كمصور في عدة منظمات وفرق تطوعية، تعرفت على عدة أمور وقواعد جديدة، لاحترام خصوصية الناس، واحترام مشاعرهم، وتشكيل صورة بعيدة عن التنميط خلال التوثيقات المستقبلية في العمل”.
أما المسؤول الإعلامي بجمعية “عطاء” للإغاثة والتنمية أحمد جميل بنشي، فأكد أن “الورشة مليئة بالمعلومات القيمة التي تساهم وتساعد في العمل بشكل مهني وأخلاقي ضمن منظمات المجتمع المدني، وفهم السلوكيات والحقوق الواجب اتباعها أثناء العمل الإعلامي مع المستفيدين من المنظمات”.
وأشار إلى أن “هنالك العديد من الثغرات في هذا المجال غير المعروفة في عملنا ومن ضمنها: كيفية التعامل مع الأخبار الكاذبة وتلافيها، والتأكد من صحتها عن طريق الوصول للمصدر الموثوق، بالإضافة إلى معرفة التعامل مع حقوق النشر، وحقوق الكاتب، وأخذ التصريح قبل استعمال هذه المادة، لضمان عدم المساءلة وضمان حقوق الكاتب، وضمان حقوق المستفيدين وأخذ تصريح من ولي الأمر والطفل المراد تصويره قبل القيام بتصويره مع مراعاة تقبل آرائهم بعدم نشر المادة أو حذفها”.
وأضاف: “الحفاظ وصون كرامة المستفيد، وعدم إظهاره بصورة غير لائقة، كما أن هذه الورشة التدريبية كانت غنية بالعديد من المعلومات القيمة التي يحتاجها جميع الإعلاميين والصحفيين بالعموم، والإعلاميين الذين يعملون في مجال منظمات المجتمع المدني بشكل خاص”، وتمنى “أن يتم عقد مثل هذه الورشات، وتكرارها بشكل دائم لتعم الفائدة على الجميع، وذلك لتدارك حدوث أخطاء في المجال الإعلامي، والحفاظ على كرامة المستفيدين، والارتقاء أكثر ضمن أخلاقيات وشرف المهنة.
زيد هدلة المسؤول الإعلامي في منظمة “عدل وتمكين” أكد أن “المعلومات التي طرحت خلال الورشة التدريبية كانت إضافة جميلة لخبراتي، بحكم عملي في الوسط الإعلامي، ضمن المنظمات الإنسانية، ونبهتني إلى أخطاء شائعة من شأن تصحيحها أن يرفع من جودة عمل الجهة التي أعمل لديها”.
أحد المتدربين في ورشة العمل، قال: “من وجهة نظري فإنني أعتبر ورشة العمل التي نظمها ميثاق شرف للإعلاميين السوريين بحضور شريحة من الاعلاميين العاملين في المؤسسات الاعلامية والمدنية المحلية في سوريا، بمثابة حجر الأساس لبدء رأب الفجوة الموجودة بين النهج الإعلامي الصحفي والإنساني، وإيجاد الوسائل والأدوات المتقدمة نحو علاقة متينة تصب في صالح حماية المجتمع السوري المتضرر من الحرب.
وأضاف: “قدمت الورشة التعريف بالقواعد الأساسية المهنية والأخلاقية للعمل الإعلامي الإنساني من منظوره الصحفي، نحتاج في الفترة المقبلة لتوسيع هذه الخطوة لتشمل عددا أكبر من المؤسسات وأن تكون فيزيائية ذات مستوى متقدم تدفع باتجاه تقارب تقني أكبر يساعد على ضبط الخروقات ومعالجتها بشكل أسرع انطلاقا من الخبرات الكبيرة التي تمتلكها مؤسسات الميثاق وكذلك التطور الكبير الذي وصلت له عدة مؤسسات إنسانية سورية في مجال الإعلام والتواصل والمناصرة”.