ميثاق شرف الإعلاميين السوريين، لأجل إعلام مهني وأخلاقي ومجتمع مستنير

 

 

تعتبر وسائل الإعلام من أهم القوى التأثيرية في المجتمع، حيث تلعب دورًا حاسمًا في نقل المعلومات وتشكيل الرأي العام. وفي سياقات الحروب، كما هو الحال في سوريا منذ ربيع 2011، يصبح دور وسائل الإعلام وتأثيرها أكثر أهمية وحيوية، ومن هنا تنبع الحاجة إلى وجود مواثيق أخلاقية ومدونات سلوك مهني ونظم شكاوى تضبط عمل وسائل الإعلام وتحدد المعايير الأخلاقية التي يجب أن يلتزم بها الإعلاميون، وتعزز كذلك الممارسات الصحفية المسؤولة والمهنية وثقافة المساءلة لدى الصحفيين، وتبني الثقة والاحترام من قبل الجمهور وتساهم في بناء مجتمع مُطّلع ومستنير خلال الحروب وما بعدها، خاصةً أن الحروب تعزز الحاجة إلى الحقيقة والشفافية والمصداقية في النشر الإعلامي.

 

أهمية مواثيق الأخلاق والمدونات السلوكية

 

يرى الأستاذ محمد العلي مراقب جودة المحتوى في شبكة درعا 24 أن أهمية وجود مواثيق الأخلاق والمدونات السلوكية والتزام الإعلام بمعايير الصحافة المهنية والأخلاقية في سياقات الحروب تتجلى في عدة جوانب أهمها:

  • توفير المعلومات الدقيقة والموثوقة والمحققة والمدعومة بالأدلة، إذ يساعد هذا على تفادي الشائعات والأخبار المضللة التي يمكن أن تزيد من حجم الأزمة، وتؤثر على تحقيق الاستقرار والسلامة العامة.
  • حماية حقوق الأفراد، حيث يجب على الإعلام التعامل بحذر واحترام تام لخصوصية الأفراد وتجنب نشر المعلومات الشخصية الحساسة دون موافقة صريحة، والحفاظ على كرامة وخصوصية الضحايا والمتضررين.
  • تشجيع التوعية والسلوك السليم، إذ أن للإعلام دورًا هامًا في توجيه الجمهور بشأن سلوكيات السلامة والإجراءات الوقائية المهمة في سياقات الحروب. من خلال توفير المعلومات الصحيحة والنصائح العملية، ويمكن للإعلام تعزيز الوعي والتصرفات الصحية للجمهور، مما يساهم في حماية حياتهم وسلامتهم.
  • مراقبة ومراجعة سلطة الحكم، حيث يعد الإعلام الحر والمستقل جزءًا أساسيًا في مراقبة سلطة الحكم وخاصة خلال الأزمات، ولا سيما الحروب. ويمكن للإعلام أن يكشف الانتهاكات والفساد ويساهم في تحقيق العدالة والمساءلة. ومن خلال الالتزام بالأخلاقيات الصحفية، يتم تعزيز مصداقية وتأثير الإعلام في هذا الصدد.
  • التصحيح والمساءلة، إذ تساهم مواثيق الأخلاق والمدونات السلوكية في إنشاء نظام للمساءلة داخل وسائل الإعلام. تتيح هذه المواثيق وجود آليات للتحقيق في الشكاوى ومعالجة الانتهاكات، مما يساهم في تصحيح الأخطاء والتحسين المستمر لأداء الإعلام.

 

أما مدير تحرير شبكة درعا 24، فيعتبر أن وجود أنظمة وأدوات مهنية، لتنظيم العلاقة بين وسائل الإعلام وجمهورها، عامل ضروري لضمان شفافية ومصداقية الإعلام، وتعزيز التواصل الثنائي وتلبية احتياجات الجمهور، وتعزيز المساءلة داخل الوسائل الإعلامية. مؤكداً أن هذه الأنظمة والأدوات تعتبر أساسية لبناء علاقة قوية ومستدامة بين الإعلام وجمهوره، وتعزز دور الإعلام في خدمة المجتمع وتحقيق التغيير الإيجابي المنشود.

 

فيما الآنسة ملاك منسقة قسم المراقبة والتقييم والمساءلة في شبكة درعا 24 تؤكد أن حق الجمهور في الشكوى وتصويب أخطاء النشر والاعتراض على الانتهاكات المهنية والأخلاقية في ممارسة الإعلام يعد أمرًا بالغ الأهمية في بناء مجتمع إعلامي صحي ومسؤول. وأنه يمكن لهذا الحق أن يلعب دورًا حاسمًا في تعزيز الممارسات الإعلامية الأخلاقية، وأن وجود حق للجمهور في الشكوى يعزز المساهمة الفعالة للأفراد في تحسين جودة المحتوى الإعلامي وتصويب أي أخطاء أو انتهاكات مهنية وأخلاقية يمكن أن تحدث أثناء الممارسة الإعلامية. ويتيح هذا الحق للجمهور التعبير عن استيائهم واعتراضهم على أخطاء النشر والتصحيح الضروري للمعلومات المغلوطة أو المضللة التي قد تنشرها وسائل الإعلام”.

 

وتتابع بأن الحق في الشكوى وتصحيح الأخطاء يعزز أيضًا المساءلة الإعلامية، حيث يتعين على وسائل الإعلام أن تتعامل بشكل جدي ومسؤول مع الشكاوى المقدمة، وتقدم إجابات وتصحيحات فورية ومناسبة. يساهم هذا في تحسين ممارسات الإعلام وزيادة الثقة بين الإعلام والجمهور.

 

تأسيس ميثاق شرف الإعلاميين السوريين

 

في خطوة مهمة لتوجيه بوصلة الإعلام السوري المستقل إلى الاتجاه الصحيح والاختيار المستنير لهذا الإعلام في الاصطفاف إلى جانب الحقيقة وبناء ثقافة السلام بين السوريين ومكافحة خطاب الكراهية بعيدًا عن التحيزات السياسية أو الانتماءات الطائفية والعرقية والفئوية، قامت مجموعة من الفعاليات الإعلامية السورية المستقلة بتأسيس ميثاق شرف الإعلاميين السوريين في 14 حزيران/ يونيو 2015. وجاء في توطئة نص هذا الميثاق: “نظرًا للدور الكبير الذي يلعبه الإعلام في صناعة الرأي العام وفي الرقابة والمساءلة ونشر الحقيقة للجمهور دون تمييز، بمهنية وموضوعية، افتقدها الإعلام السوري على مدى عقود، وإسهامًا في ضبط العملية الإعلامية المتطورة بشكل مستمر ومتسارع في سوريا. ونظرًا لغياب قوانين جامعة وناظمة لعمل المؤسسات الإعلامية، أصبحت الحاجة ملحة لوجود ميثاق شرف إعلامي يلزم الموقعين عليه أخلاقيًا. وعليه أقرت مجموعة من المؤسسات الإعلامية السورية المستقلة، بعد جولات من النقاش بين مختلف التوجهات والمكونات وبالتوافق فيما بينها، تكريس مجموعة من المبادئ عبر ميثاق يسهم في خلق حالة من التوازن والاستقرار، لخير المجتمع السوري ونموه وارتقائه، آملين من جميع المعنيين به احترام ما ورد فيه والالتزام به وأسموه ميثاق (شرف)”.

 

نظام الشكاوى ولجنة الشكاوى

 

لعل من أهم منجزات ميثاق شرف وأعماله تأسيسه وتفعيله لنظام الشكاوى ولجنة الشكاوى، حيث تم اعتماد هذا النظام في 28 كانون الثاني/ يناير 2021 كما تم إطلاق عمل لجنة الشكاوى في 2 شباط/ فبراير 2022.

 

“نظام الشكاوى هو مبادرة تطرحها وتدعمها هيئة “ميثاق شرف للإعلاميين السوريين”، في إطار جهود التنظيم الذاتي لقطاع الإعلام السوري، بهدف تطوير الممارسة الإعلامية ورفع الجودة المهنية للمحتوى الصحفي المنشور في وسائل الإعلام السورية المختلفة. ويشكل دليلًا مهنيًا لدفع وسائل الإعلام السورية والعاملين فيها إلى الالتزام بمدونة السلوك المهني والأخلاقي ومعايير الصحافة المستقلة، وتوفير مرجعية ناظمة للشكوى لكل متضرر من أي انتهاك أو خرق لأخلاقيات مهنة الصحافة تقوم به المؤسسات الإعلامية السورية في منشوراتها، وفقًا لمحددات وآليات واضحة تعتمدها لجنة مستقلة تسمى لجنة الشكاوى. تستمد لجنة الشكاوى سلطتها من المرجعيات الأخلاقية والأعراف المهنية لمهنة الصحافة، وجميع قراراتها ذات إلزام أخلاقي وأدبي، وهي غير ملزمة قانونيًا، ولا ينشأ عنها أي إجراءات قضائية أو عقوبات مالية”.

 

كما جاء في المادة 14 من التعليمات التنفيذية لنظام الشكاوى: “لجنة الشكاوى هي لجنة تختص بتلقي وفرز ودراسة الشكاوى المستلمة عبر نظام الشكاوى الإلكتروني، وتقوم بالتواصل مع الأطراف المعنية بكل شكوى بهدف جمع المعلومات ومتابعة إجراءات الحل والتسوية. كما تقوم اللجنة بالتحقيق والتقارير فيما يخص الانتهاكات والخروقات لمدونة السلوك”.

 

أثر نظام الشكاوى على الإعلام السوري

 

إن الوفاء بمواثيق الأخلاق ونظام الشكاوى يعزز جودة الإعلام السوري وثقافة المساءلة. وتأتي هذه الآليات بفوائد عديدة، بما في ذلك توفير المعلومات الدقيقة، حماية حقوق الأفراد، وتعزيز التوعية والسلوك السليم. ومن خلال التعاون المستمر، يمكننا بناء مجتمع إعلامي قوي ومسؤول يخدم مصلحة الجميع. فالإعلام المسؤول هو رافد للتغيير الإيجابي والتنمية المستدامة.

 

لمعرفة المزيد عن ميثاق شرف الإعلاميين السوريين ونظام ولجنة الشكاوي يمكنكم زيارة موقع الميثاق على الرابط التالي: اضغط هنا  

 

 

ريماس الياس – كاتبة محتوى في شبكة درعا 24