نظام الشكاوى: تعزيز ثقافة المساءلة لدى جمهور وسائل الإعلام

 

 

ترتكب بعض وسائل الإعلام مخالفات بحق الجمهور، متناسين المسؤولية الاجتماعية الملقاة على عاتقهم بتمثيل المجتمع وحماية مصالحه، ضاربين بعرض الحائط بنظم المساءلة الإعلامية التي تتيح للجمهور مراقبة الإعلام ومحاسبته، مستغلين هشاشة ثقافة المساءلة الإعلامية لدى الفرد،  وعدم إيمانه بجدوى الشكوى، وضعف ثقته بأدوات المساءلة وآلياتها، من هنا أطلق ميثاق شرف للإعلاميين السوريين نظام الشكاوى ضمن محددات وآليات واضحة، تضمن الشكوى على وسائل الإعلام السورية المستقلة الموقعة على النظام، في شفافية وفعالية يستطيع عبرها الشاكي ضمان حقه في التصحيح أو الحذف أو الاعتذار العلني، دون أن يمنع ذلك من حقه في تقديم شكوى قانونية للجهات المختصة.

الإعلام في سوريا

لعب الإعلام في سوريا دوراً مهماً منذ انطلاقة الثورة السورية عام 2011، وكان حاملاً رئيسياً للحقيقة بعيداً عن الإعلام الحكومي وسيطرته على المؤسسات الإعلامية السورية، وتغير مفهوم الإعلام في سوريا بعد ظهور عشرات وسائل الإعلام السورية المستقلة، وأصبح معبراً أكثر عن نبض الشارع وملاصقاً لهمومه واحتياجاته.

يقول الأستاذ “علاء الدين زيات” في حديث إلى سيريا برس، كغيره من تكوينات التطور المجتمعي للبلاد ما بعد الاستقلال، وبنيته كسلطة رابعة، لم يتحرر الإعلام من كونه لصيقا بالسلطة، بمعنى عدم قدرته على حجز مساحة تأثيره خارج خططها وخطوطها الحمراء، أما بعض النماذج المنفلتة من سياق التماهي مع السلطة فكانت اما محدودة من حيث أنها واكبت فترات مدنية قصيرة في الحكم أو محدودة من حيث الزمان بحيث أنها أجهضت سريعا (الدومري نموذجا) أو أنها محدودة الانتشار بسبب التصاقها بنماذج حزبية سياسية معادية للنظام وكانت وماتزال تنال الضربات منه وبالتالي لم تملك مساحة جمهور يعطيها المعنى العميق للإعلام الجماهيري. 

في حين تمتلك البلاد كوادر إعلامية مشهوداً لها، برزت خارج جغرافيتنا المحلية وامتلكت أصوات تحررية وفنية ثقافية متقدمة مما يعني أن مسألة الحريات والإعلام هي شراكة لا بد منها وهنا لا أقصد مسألة تتعلق فقط بالإدارة المركزية المفرطة لجهاز الدولة ووجود وزارة إعلام كرقيب وحسيب وقوانين للمطبوعات والجرائم الإلكترونية متخلفة، بل تأصل مسألة الحريات على المستوى الاجتماعي التحرري الذي يتيح مقاربة الممنوعات العامة بطرق تنويرية تسمح بإعادة النظر وتوسيع النقاش العام بما هو ثقافي واجتماعي وسياسي الخ. هذا العنصر المفقود(الحريات) رهين الذهنية الاجتماعية المحافظة التي هي أيضا رهينة مجتمعات المركزية المفرطة وخادمة مباشرة أو دون قصد لها.

يضيف “الزيات”، العنصر الإيجابي في مسألة الإعلام ما بعد 2011 هو كسر احتكار الدولة وانطلاق منصات كثيرة متعددة ومتنوعة الخلفيات والأيديولوجيات، مما يسمح بإدارة حوارات دون أجندات مفروضة، ومطلوب منها اليوم كسر احتكار آخر هو احتكار المجتمع للقيمة المطلقة غير قابلة للمساس والانخراط في حوارات مجتمعية تعيد النظر بتلك القيمة وفق منظورات تحررية، فيما لو رغبت المؤسسات لعب هذا الدور سيكون هناك مساحة إعلامية أرحب ناجية من قيود الماضي وينظر لها كعنصر فاعل في التغيير العام.

 إلى ذلك، يشير “الزيات” أنه ليس من السهل ادارة ثنائية المصالح والمطالب مع عولمة كاسرة متوحشة تصدر سلبياتها كل لحظة ونحن غير قادرين على استثمار إيجابياتها[g1]  إلا بشروط صعبة. مشكلة الإعلامي في تأمين يد ممدودة لمجتمعه وأخرى ممدودة للتغيير والخوف من الارتهان لفكرة دوره كمخلص، هو يلعب دون شك فعلا تنويريا عبر كشفه الحقيقة وتشجيع الحوار العام والنزاهة في العمل الإعلامي ، وإبراز الفكر التقدمي من المسائل، ولكن جاذبية الشعبية قد تغريه للنزول عند مطالب الناس وليس مصالحهم، النجاة هنا تتمثل بالمؤسسة الناضجة القادرة على فهم الأدوار بعمق ورسم سياسات تحرير وفق مبادئ قيمية صارمة تحمي الصحفي والإعلامي من الانجرار وراء شعبية لحظية وتساعده أن يكون شجاعا في تقديم ما يظن أنه يخدم قضية التغيير. هل تكونت لدينا مؤسسات بهذا المستوى من الحماية المتبادلة أعتقد أن ذلك على الطريق ولما يكتمل بعد، لأن الصراعات المستمرة لعقد خلت لم تكن تمنحنا اختبارا نزيها وآمنا للحكم على مدى شعبية أي مؤسسة اعلامية جديدة أو قديمة، ومدى ثبات هذه الشعبية كالتزام بفكر الحقيقة الواضحة للجمهور. هي تخمينات أولية سيكون مهما اختبار صلابتها فيما لو تقدم الحل السياسي لاحقا.

المساءلة في الإعلام

أظهرت نتائج دراسة تجريبية نشرها معهد آيرش بروست للصّحافة الدّولية، في عام 2021 حول مساءلة وسائل الإعلام في 9 بلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من ضمنها سوريا، أن هناك حضور محدود لأدوات المساءلة الإعلامية في المنطقة والتي وإن وجدت، فغالبيّتها تكون مقيّدة ولا تتمتّع بالاستقلالية التّامة والحقيقية. إذ أنّ حرية التعبير في العديد من هذه البلدان تكون مقيّدة من مختلف الجهات السّياسية والاقتصادية والدّينية والاجتماعيّة وغيرها. ويفتقر الجمهور إلى الثقة بأدوات المساءلة الإعلامية التقليدية. وتبيّن أنّ وسائل التواصل الإجتماعي هي الأداة المفضّلة لمساءلة الإعلام في المنطقة.

يقول الدكتور بشار نرش عضو لجنة الشكاوى في ميثاق شرف للإعلاميين السوريين، إن المساءلة في أي مجال تعبّر عن الالتزام بالشفافية والمصداقية، وفي مجال الإعلام تعبّر عن الالتزام بالشفافية والمصداقية في تقديم المعلومات باعتبار أن المساءلة تعني أن تكون وسائل الإعلام مسؤولة عن ما يتم نشره، وأن يتم تقديم المعلومات بطريقة صحيحة وموثوقة، لذلك يمكن القول إنّ المساءلة في حال تطبيقها في المجال الإعلامي ستساهم في تعزيز الشفافية والمصداقية وسترفع من مستوى ما يتم تقديمه من معلومات وأخبار، وتحسين جودة هذه المعلومات، إلى جانب بناء الثقة بين وسائل الإعلام والجمهور، وكذلك تشجيع الابتكار وتحسين الأساليب والممارسات المتبعة، يضاف إلى كل ذلك أن المساءلة أيضاَ تعلب دوراً أساسياً في دعم الديمقراطية من خلال تقديم وسائل الإعلام تقارير موضوعية تعلب دوراً في تعزيز مبدأ التوازن ورصد أداء الحكومات و المؤسسات. 

ويؤكد “نرش” أن المساءلة تنعكس إيجابياً على الاعلام لأن أي تجاوز أو خرق لأخلاقيات العمل الصحفي سيجعل هذه الوسيلة الإعلامية تتحمل المسؤولية وبالتالي ملزمة باتخاذ الإجراءات اللازمة لتصحيح هذا التجاوز أو الخطأ أو الخرق، وباختصار يمكن القول إن المساءلة تعزز المعايير الأخلاقية والمهنية في وسائل الإعلام، وتساهم في تحسين العلاقة بين الإعلام والجمهور وبين الإعلام والسلطات، مما يساهم في تعزيز دور الإعلام في المجتمع والديمقراطية، وهذا ما ينعكس إيجابياً على الإعلام بشكلٍ خاص وعلى المجتمع بشكلٍ عام.

ويرى “نرش” أنّ المساءلة تكمّل حرية الصحافة وتعززها، فحرية الصحافة تعتبر حق أساسي يسمح للوسائل الإعلامية بتقديم المعلومات والأخبار بحرية دون تدخّل أو قيود، ومع ذلك تأتي المساءلة لتضمن أن تتم ممارسة هذه الحرية بشكلٍ مسؤول وأخلاقي بعيداً عن التدخلات التي يمكن اعتبارها سلبية، الأمر الذي يعزز دور الإعلام كرابط بين الأحداث والجمهور والسلطات وهو ما يعزز حرية الصحافة.

نظام الشكاوى

نظراً للدور الكبير الذي يلعبه الإعلام في صناعة الرأي العام، وفي الرقابة والمساءلة، ونشر الحقيقة للجمهور بمهنية ووفق ما تقتضيه قوانين الشرف الإعلامي، أطلق ميثاق شرف للإعلاميين السوريين نظام الشكاوى، بهدف تنظيم العلاقة بين الجمهور ووسائل الإعلام السورية، وتوعية الجمهور بحقه في الشكوى وتصويب أخطاء النشر والاعتراض على الانتهاكات المهنية والأخلاقية، التي قد تنتج عن التغطيات الإعلامية لوسائل الإعلام السورية، وترشده إلى أساليب ممارسة حقه بطرق مهنية.

أكدت الأستاذة نيسان بابللي، مديرة منظمة سوار لحماية وتمكين النساء، معرفتها بنظام الشكاوى في ميثاق شرف للإعلاميين السوريين، دون معرفة تفاصيل كافية وآليات تطبيق النظام، وأكدت أن مراقبة الجمهور لوسائل الإعلام يساهم بتنقية المحتوى الإعلامي من الانتهاكات، إذا كان في المؤسسات الإعلامية آليات شكاوي واضحة وقوانين تحمي المشتكين وتستطيع تنفيذ الإجراءات المترتبة على ارتكاب الانتهاكات لردع المخالفين، وأضافت في حال ارتكبت وسيلة إعلامية أي انتهاك بحقي، أرجع الى اللوائح الناظمة لعمل المؤسسة واطلع على آلية الشكاوى لديهم واتبع إجراءاتها وفي حال عدم وجود رد احاول الوصول الى ادارة الوسيلة الاعلامية لإيصال الشكوى لها، وفي حال عدم التجاوب وكانت الإساءة كبيرة احاول تشكيل حملة مناصرة للرد على هذا الانتهاك خاصة وان كان يحمل طابع عنصري أو إقصائي أو تشهيري وحولت القضية لرأي عام.

تختص لجنة الشكاوى بالمحتوى الإعلامي المنشور على وسائل الإعلام السورية، الموقعة على ميثاق شرف للإعلاميين السوريين العاملة داخل سوريا وخارجها، وتلك التي انضمت لنظام الشكاوى من خارج الميثاق، والتي تنشر محتوى ذا صلة بالأخبار، عبر الوسائل المرئية والمسموعة والمقروءة، وتتلقى الشكاوى من المؤسسات الإعلامية والصحفيين وأي شخص من الجمهور تضرر بشكل مباشر بمحتوى مادة تم نشرها عبر وسائل الإعلام، ويتضمن على سبيل المثال: الصور، والنصوص، والفيديو، والتسجيلات الصوتية، والرسوم الكاريكاتورية، والجداول البيانية، والمخططات. شريطة وجود أدلة تثبت الضرر وتصفه.

ويمكن تقديم الشكوى من خلال الرابط الموجود على موقع ميثاق شرف للإعلاميين السوريين، أو الروابط الموجودة على مواقع المؤسسات الإعلامية الأعضاء في الميثاق على أن تتضمن الشكوى، نسخة أو صورة أو رابط للمادة موضوع الشكوى، وتحديد البند الذي تم خرقه في مدونة السلوك المهني، ووصف للخرق وشرح سبب الاعتقاد بأنه يشكل انتهاكاً لمدونة السلوك المهني، مع نسخ أو صور عن المراسلات مع وسيلة الإعلام المشكو منها، إن وجدت.

إن نظم المساءلة الإعلامية كنظام الشكاوى في ميثاق شرف للإعلاميين السوريين، يوفر الأدوات والوسائل التي تمكن الجمهور من مراقبة محتوى وسائل الإعلام ومحاسبته إن تعدّى على حقوق الفرد والمجتمع، ويوازن بين حق الجمهور وحقوق وسائل الإعلام في حرية التعبير، وصولاً إلى إعلام مهني وأخلاقي دقيق وخالٍ من خطاب الكراهية والانتهاكات.

غصون أبو الذهب _ سيريا برس

 

لتقديم شكوى اضغط هنا