توجيهات أساسية في السلامة النفسية للصحفيين خلال الحروب

بقلم: يوسف أسكور

يميل الصحفيون والصحفيات بشكل متزايد إلى تغطية الأثر البشري للحروب والأزمات، حرصًا على الجانب الإنساني للقصة، وهو الجانب الذي تفضله المؤسسات الإعلامية، إلا أنه يكلف الصحفي استقراره النفسي والعاطفي، ما يجعل السلامة النفسية مطلبًا ذا أولوية قد يتناساه المرء في ظل تسارع الأحداث.

يخصص العالم العاشر من تشرين الأول/أكتوبر من كل سنة اليوم العالمي للصحة النفسية، والذي يتزامن هذه السنة مع حروب طاحنة تدور في مناطق مختلفة من العالم، ومعها يتجدد السؤال حول الصحة النفسية للصحفيين/ات، تحديداً خلال فترات الأزمات والحروب، حيث تحتم طبيعة عملهم عليهم التواجد في الصفوف الأمامية والتعاطي مع ظروف إنسانية صعبة، ممّا يؤثر على صحتهم النفسية.

 

سلامة الصحفيين النفسية خلال فترات الحروب والأزمات

وهكذا، ما الذي يساعد؟ يمكننا وضع تدابير الدعم النفسي والاجتماعي على أربع مستويات، حيث تتمتع المستويات الأعلى بأكبر إمكانية للوصول. المستوى الأول يتمثل بأساسيات الرعاية الذاتية، حيث من المهم أن ندرك أن تبني سلوك صحي وإيجابي خلال الأيام العادية، يعتبر من العناصر الحاسمة للدعم النفسي خلال فترات الحروب والأزمات.

المستوى الأول: أساسيات الرعاية الذاتية

وينصح أن تشكل الرعاية الذاتية المرنة آلية حماية مستمرة من الآثار طويلة المدى للتوتر والصدمات غير المباشرة، وهذا الأمر لا يستثني المحررين في غرف الأخبار، حيث أنهم أيضاً يتعرضون لمحتوى مؤلم وخطر.

تأكد من تلبية احتياجات ضرورية:

·  النوم والتغذية والتمارين الرياضية؛

·  خذ إجازتك السنوية، واستراحة طوال اليوم؛

·  حافظ على علاقات اجتماعية إيجابية؛

·  لا تتابع الأخبار 24 ساعة في اليوم.

المستوى الثاني: الملاحظة والمتابعة الدقيقة

يعتبر من المهم جدًا البقاء يقظاً منتبهاً لأي سلوك غير طبيعي قد يصدر من أحد الصحفيين أو الصحفيات داخل فضاء العمل، أو في الميدان، حيث قد يتخذ الإضطراب النفسي أشكالاً متعددة، من قبيل سلوك غير معهود، عزلة، نوبات غضب، أو أي سلوك مفاجئ يبرز تغيرًا ما.

في هذا الباب، الأمر قد لا يتعلق بالصحفيين داخل نفس المؤسسة، بل يمتد إلى صحفيين من مؤسسات إعلامية أخرى، قد يكون مصيرياً الإنتباه لهم وتقديم الدعم النفسي لهم بشكل مستعجل، أو طلب الدعم من زملاء آخرين قد يكونون أكثر معرفة بآليات الرعاية النفسية خلال وضعيات الحرب أو الأزمة.

 

المستوى الثالث: الاستعداد الجيد 

 

تضطلع المؤسسات الإعلامية بواجب العناية بالصحفيين والصحفيات الميدانيين التابعين لهم، عبر تحديد المخاطر النفسية التي قد تواجههم وتوفير سبل التعامل معها بشكل آني ومستدام.

يعتبر الإعداد الجيد مطلباً أساسياً، خصوصاً حين يتعلق الأمر بزاوية معالجة القصة والحصول على المعلومات ذات الطابع الإنساني خلال فترات الحروب، والتي تحتمل سيناريوهات متوقعة وأخرى غير متوقعة.

وتشكل مناقشة جميع السيناريوهات بين الصحفيين، آلية دعم نفسي استباقية، تساهم في تعزيز تماسك الفريق واستحضار مختلف السيناريوهات وبالتالي القدرة على اتخاد قرارات صائبة وقت الحرب، والقدرة على الوعي بتأثير الحالات الصعبة على نفسية الصحفي.

المستوى الرابع: مسؤولية القرارات

يمكن أن يشكل تكليف صحفي أو صحفية بتغطية حرب أو أزمة، قراراً صعباً ومسؤولاً، خصوصاً مع استحضار إمكانية تعرض الصحفي لخطر، وهو ما قد يؤثر نفسياً على إدارة التحرير، أو على من كلّف الصحفي بشكل مباشر.

أمام هذا الوضع، يستحسن جعل عملية اتخاد القرارات جماعية إذا أمكن، والتواصل بشكل دائم كخلية عمل، مع التأكيد، بشكل دوري، على ضرورة تخصيص مساحات وافية للعناية النفسية بالصحفيين والصحفيات، عبر تبني ممارسات صحية للتفريغ النفسي وتقليل ضغوط العمل، التي قد يسبب تراكمها انهيار آليات الدفاع النفسي.

الصحافة خلال الحروب

لا ينكر الصحفي الفلسطيني أحمد الرجبي، تأثره النفسي جراء تغطيته الميدانية للحروب والنزاعات المسلحة بمدينة الخليل بالضفة الغربية، ويقول في حديثه لشبكة الصحفيين الدوليين: “خلال تغطيتي الصحفية لمواضيع الحرب، ومحاورة أسر الضحايا أو الأسرى أو الأطفال أو المصابين، يكون الأمر صعباً، حيث أعمل على الحصول على ردود فعل طبيعية من المحاورين والتي تكون عادة مؤثرة، وتتطلب مني محاولة احتواء المحاورين نفسياً والتعبير عن تقدير مشاعرهم”.

وينوه الرجبي “نحن كصحفيين فلسطينيين نعتبر أيضاً ناجين من الحرب على اعتبار أننا نتواجد دومًا في الصفوف الأولى، وعلى مقربة من خطوط الاحتكاك المسلح، ما يجعل سلامتنا الجسدية والنفسية مهددة”، مضيفًا أنّ “الصحفيين الذي يعملون بشكل حر -فريلانس- يشكلون فئة كبيرة ويعملون في الصحافة بدون أن يتبعوا لأي مؤسسة، حيث أن العمل مقرون بإنجاز مواد صحفية محددة في وقت محدد، بدون أي دعم نفسي، في الوقت الذي يحتاجون لهذا الدعم بسبب احتكاكهم المستمر مع قضايا الحرب والأزمات”.

عن تجربته في تدبير الأزمات النفسية التي يمر منها، يقول أحمد: “أقوم بإغلاق جميع مصادر الأخبار بمختلف أشكالها وأتفرغ للعلاقات الاجتماعية التي أحصل من خلالها على طاقة إيجابية، لأجل إعادة ترتيب نفسيتي”، ويضيف: “على الصحفيين اعتماد طرق خاصة للخروج من دائرة أخبار الحروب تفادياً لتراكمها الذي يؤثر سلباً على نفسيتهم على المدى المتوسط والبعيد”.

 

سلامة الصحفي الجسدية مرتبطة بسلامته النفسية

يجب أن يولي الصحفي الميداني سلامته الجسدية والنفسية أولوية، لذلك، عليه اتخاذ كل وسائل الأمن والاحتياط المتاحة، إذا كان مثلاً يقوم بتغطية معارك أو اشتباكات أو أحداث يمكن أن تخرج عن السيطرة، عليه ارتداء الخوذة والسترة الواقية وأن تكون في متناوله حقيبة إسعافات أولية تحسباً لأي طارئ.

ومن المفيد ان يتجمع الصحفيون الميدانيون في مجموعة أو مجموعات، منعاً لاستفراد مسلحين بأي منهم، ويجب على المراسل الميداني عدم حمل أغراض قيمة معه إلى الميدان وأن يبقي هاتفه في جيبه عندما لا يحتاج إليه أو يمسكه بطريقة لا تسمح بسرقته. طبعاً، في حال كان الصحفي في أرض معركة، عليه أن يعثر على مكان آمن ليحتمي فيه في حال سقوط قذائف أو صواريخ أو إطلاق أعيرة نارية، ويجب أن ينقل المراسل الميداني الخبر لا أن يصبح هو الخبر، لذلك فإنّ سلامته مهمة جداً.

 

زاوية المعالجة والسلامة النفسية خلال التغطية الإعلامية الميدانية للحروب

يستحسن أن يتفادى الصحفي، المعالجة الصحفية المثيرة التي تستخدم تغطية تميل الى التهويل والسطحية والتي تُنهي اهتمامها بالأزمة بانتهاء الحدث، وهي معالجة مبتورة تؤدي إلى التضليل وتساهم في خلق لا توازن نفسي لدى الصحفي الميداني.

ويفضل أن يتبنى الصحفي معالجة متوازنة ومتكاملة وهي المعالجة التي تتناول الجوانب المختلفة للوضع: من مواقف الأطراف المعنية، الأسباب، السياق، التطورات والآفاق. وتتسم هذه المعالجة بالعمق والشمولية والمتابعة الدقيقة التي تحترم موضوعها ومن يتلقاها.

تجارب في خدمة الصحة النفسية للصحفيين

يقدم المركز المرجعي للدعم النفسي والاجتماعي التابع للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، دليل الرفاهية النفسية، ويقترح تمرين إسعافات أولية يمكن أن تكون مفيدة جداً للصحفيين خلال فترات الحرب والأزمات، خصوصاً عند اشتداد القلق. يهدف التمرين التالي إلى الحصول على الارتياح الفوري إذا شعرت بالحزن أو الضيق. يمكن استعماله كذلك عند الاستذكار بالماضي لإعادة توجيه التركيز ولتسهيل مغادرة ذكريات ماضية أليمة.

1.   قف، أجلس أو استلق وحافظ على عينيك مفتوحة؛

2.   ابحث عن خمس أشياء في محيطك الحالي التي يمكنك رؤيتها. سّمها بصوت عال واستخدم كلمات ملموسة لوصف ما تراه؛

3.   ثم ابحث عن أربع أصوات في محيطك الحالي التي يمكنك سماعها. سّمها بصوت عال واستخدم كلمات ملموسة لوصف ما تسمعه؛

4.   ابحث عن ثلاث أشياء في محيطك الحالي التي يمكنك لمسها. سّمها بصوت عال واستخدم كلمات ملموسة لوصف ما تلمسه؛

5.   ابحث عن شيئين في محيطك الحالي يمكنك شمّهما، سّمهما بصوت عال؛

6.   ابحث عن شيء في محيطك الحالي يمكنك  تذوّقه، سمّه بصوت عال.

لدى المركز المرجعي للدعم النفسي والاجتماعي قائمة من الاستشاريين القادرين على توفير أي تدريب أو أي دعم تقني في أي وقت. يقوم هؤلاء المستشارون بمهام أثناء وبعد الطوارئ أو الأزمات.

تظل هذه التوجيهات أساسية للصحفيين/ات للعناية بأنفسهم، بشكل استباقي وخلال ممارسة مهامهم، خصوصًا في ظل نقص الدور المؤسسي في توفير الرعاية النفسية للعاملين داخل بعض المؤسسات الصحفية.

الصورة الرئيسية من مؤسسة بيت الصحافة وحصلت الزميلة أماني شنينو على إذن لنشرها، وفق الموقع.

 

مصدر المقال: شبكة الصحفيين الدوليين

للاطلاع على المقال من المصدر: اضغط هنا