كيف يساعد الذكاء الاصطناعي التوليدي الصحفيين في السرد القصصي الرقمي؟

“عليك ربط حزام الأمان للركوب”، ربما تكون هذه العبارة المستخدمة في تقرير رويترز حول اتجاهات الصحافة والإعلام الأنسب للحديث عن الذكاء الاصطناعي التوليدي واستخداماته الصحفية. بالفعل، نحن في حاجة إلى الركوب بحذر لبدء رحلة جديدة ومثيرة تفرضها علينا تكنولوجيا تطاردنا دومًا. وفي هذه الرحلة الاستكشافية، سنتخذ من الذكاء الاصطناعي رفيقًا وسنعمل معه جنبًا إلى جنب.

فالذكاء الاصطناعي رغم وجوده منذ سنوات طويلة واستخدامه في أنشطة إلكترونية حولنا إلا أنه بات يظهر بشكل متكرر خلال العام الماضي بعدما ظهرت نسخته الأكثر تطورًا بالتزامن مع انطلاق روبوتات المحادثة مثل “شات جي بي تي” من شركة OpenAI ثم “بارد” من جوجل، فأصبح يخلق محتوى متعدد الأشكال، كالأخبار والصور والفيديوهات والتصميمات، وذلك بمجرد إدخال بضع كلمات تصف ما تريده.

كانت الدعوة للتجربة مغرية. وبالنسبة لعملي في السرد الرقمي، اكتشفت وجهًا جيدًا للذكاء الاصطناعي، فمثلما وضع تحديات جديدة أمام الصحافة – لعلّ أهمها الدقة والخصوصية – فقد فتح الباب أيضًا أمام صحفيين لاستخدام عشرات الأدوات التي من شأنها مساعدتهم في إنتاج محتواهم. وإذا كنت صحفيًا تصنع قصصًا ومحتوى غير تقليدي؛ فأنت حتمًا من الناجين، لأنّ الذكاء الاصطناعي التوليدي لم ينافسك بعد بل يساعدك.

وقد استعنت في قصتي الأخيرة “أيام الموت.. عِش رحلة هروب أسرة في غزة” المنشورة على موقع مصراوي بالذكاء الاصطناعي التوليدي لإنتاج صور لأسرة تقارب الشكل الحقيقي. وكانت تلك الطريقة تناسب قصتنا كونها قصة تفاعلية مستلهمة من عالم الألعاب، كما توفر لنا المعادل البصري الذي نحتاجه وبشكل سريع.

توازيًا، أظهر استطلاع أجراه مشروع JournalismAI التابع لكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية على 105 مؤسسة إخبارية وإعلامية في 46 دولة مختلفة أنّ “ما يقرب من ثلاث من كل أربع مؤسسات إخبارية تستخدم الذكاء الاصطناعي إما في جمع الأخبار أو إنتاجها أو توزيعها، ويتوقع حوالي 80% من المشاركين أن يحظى الذكاء الاصطناعي بدور أكبر في غرف التحرير الخاصة بهم في المستقبل. وفي الوقت نفسه يشعر أكثر من 60% من تلك المؤسسات بالقلق بشأن آثاره الأخلاقية”. لكنّ بعض التجارب وضعت نهجًا مبدئيًا لنفسها للتعامل مع الذكاء الاصطناعي التوليدي لتجنب آثاره السيئة.

آليات استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في السرد القصصي الرقمي

تحدثت مع روبوت المحادثة “بارد – Bard” الذي أنتجته شركة “جوجل” حول إمكانية تهديد أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي لوظائف الصحفيين، فأجابني بأنه يمكن أن يحلّ محلهم في بعض المهام، لكن لا يمكنه فعلها بنفس الطريقة لأنّ الصحفيين – بوصفه – “مهنيون متدربون تدريبًا عاليًا ولديهم القدرة على الكتابة بوضوح ودقة، وإجراء مقابلات مع الناس، وتحليل المعلومات وفهمها”، وهو الأمر الذي أكدته دراسات أجريت حول تأثير التطورات التكنولوجية على مستقبل الصحافة.

لكنّ “بارد” – وفقًا لتعريفه لنفسه – فما هو إلا “نموذج لغة كبير مدرب على بيانات ضخمة من النصوص وتعليمات برمجية. يمكنه إنشاء نص وترجمة اللغات وكتابة أنواع مختلفة من المحتوى، لكن بدون فهم كامل مثل الصحفيين وبدون معرفة للأخلاقيات الصحفية”.

وضمن المهام التي يمكنه مساعدة الصحفيين بها هو إنتاج القصص الصحفية الرقمية من خلال توفير معلومات، تقديم نصائح لإنشاء محتوى بصري وألعاب وتجارب الواقع الافتراضي، واقتراح الأدوات والتقنيات المناسبة.

كان “بارد” صادقًا هذه المرة، فبوسع الذكاء الاصطناعي أن يحلّ محل صحفي لا يتعدى دوره جمع الأخبار والبيانات الرسمية، لكنه سيكون زميلًا متعاونًا لصحفي يصنع محتوى مختلفًا وطازجًا.

وفيما يلي أدوات وأنظمة تخدم السرد القصصي وتساعد في المهام التالية

– إنتاج صور وفيديوهات سريعة من الوصف، بما في ذلك صور 360 درجة.

– إنتاج تعليق صوتي من النص.

– تحليل البيانات وإنتاج رسوم بيانية تفاعلية.

– صناعة تصميمات مختلفة من الصور أو البيانات التي يتم إدخالها.

– تحسين جودة الفيديوهات والصور والأصوات.

– اقتراح عناوين وكلمات مفتاحية للقصص.

– التسويق للمحتوى على منصات التواصل الاجتماعي.

– وضع استراتيجية والمساعدة في رسم الخطط.

وبعض الأدوات التي تنفذ تلك الوظائف:

– Colossyan، منصة فيديو تسمح لك بإنشاء مقاطع فيديو من النص في دقائق، إلى جانب ترجمتها تلقائيًا إلى عشرات اللغات. كما توفر لك اختيارات التعديل وتصميمات جاهزة يمكن الاستعانة بها.

– Remini Web،  أداة تقوم بتحسين الصور والفيديوهات وإزالة أي تشويش بها.

– Pictory، أداة تحول النص إلى فيديو سواء تم إدخاله أو تستخلصه من رابط، كما تحول الصور إلى فيديو، ثم تتيح لك المونتاج بطريقة سهلة وسريعة.

– Adobe FireFly، من منتجات شركة Adobe لتوليد الصور  من الوصف، وإضافة مؤثرات على النصوص، وإنتاج تصميمات متنوعة.

أدوات أخرى لتوليد الصور من الوصف: Deep AI ،Dream.ai ،Craiyon ،Dream studio ،SeaArt ،Maze Guru. 

– Pebblely، أداة تساعدك على إزالة خلفية الصورة، وإدخال وصف أي تصميم تريد وضع الصورة داخله.

– Skybox AI، منصة لإنتاج صور 360 درجة من خلال وصف.

– lalal.ai،  برنامج يعمل على تحسين جودة الصوت وإزالة الضوضاء من الخلفية.

– Design.ai، منصة لعمل تصميمات متنوعة لمنصات التواصل الاجتماعي وفيديوهات وتعليق صوتي. وتدعم هذه المنصة اللغة العربية.

وبذلك، يمكننا تسخير إمكانيات الذكاء الاصطناعي التوليدي لرواية قصصنا. لكن من المهم أن ندرك عدة أمور عند التعامل مع تلك الأدوات، نلخصها في النقاط التالية:

– أغلب الأدوات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي مدفوعة أو شبه مجانية، أي لا توفر لك الكثير من المميزات في نسختها المجانية أو تسمح لك بعدد محدد من التجارب مجانًا.

– لا يمكنك التسليم للمحتوى المنتج من هذه الأدوات. سيكون عليك الإشراف والمراجعة والتعديل عليه، فالأنظمة تلتقط كلمة أو بضع كلمات من الوصف وتعمل عليها، وربما تكون النتيجة غير دقيقة أو مشوهة.

– أدوات التحقق نفسها قد تعطي نتائج غير دقيقة، خاصة أدوات الصور ، فتحتاج أغلبها إلى وجوه للتحقق.

– إذا تحدثت مع روبوتات المحادثة “شات جي بي تي” أو “بارد”، اجعل كلماتك مقتضبة وواضحة وحدد دور الروبوت. على سبيل المثال، يمكنك البدء بتوجيه طلبك على هذا النحو، “افترض أنك صحفي الآن، فهل يمكنك كتابة أو إنشاء:”.

وفي بعض الأحيان يرفض أحدهما الجواب، وإن أعدت عليه السؤال بصيغة مختلفة يجيبك. لذا جرّب كثيرًا، للحصول على أفضل النتائج.

– تنبه إلى أنّ روبوتات المحادثة تذكر معلومات خاطئة حتى في مصادرها، وتُكرر ما هو مذكور على محركات البحث، وربما يشوب ذلك تحيزات ومعلومات مضللة.

– الكثير من الأدوات متاح منها تحميل (Download) وليس Embed code (خيار التضمين) للنشر في صفحة الويب.

– أكثر من 80% من الأدوات لا تدعم العربية.

ويبدو من كل ذلك أنّ المسألة تتعلق بمدى فهمنا وإدراكنا للضيف الجديد الذي حلّ على عالمنا. فهل يمكننا الاستفادة منه في بعض الأوقات؟ الإجابة نعم، ولكن علينا أن نستخدمه بشكل مسؤول، يجري وفقًا لمبادئنا وقوانينا بدون مبالغة وقلق منه ولا ثقة كاملة فيه.

وفي كل الأحوال، علينا إعطاء مساحة أكبر للقصص العميقة والتحقيقات، وصناعة صحافة جيدة رصينة تتكيف مع كل جديد، ويتحقق ذلك – وفقًا لتقرير رويترز لاتجاهات الصحافة والتكنولوجيا – “باستثمار المؤسسات الإخبارية في تدريب الصحفيين للعمل مع أنظمة الذكاء الاصطناعي بشكل فعال، ثم وضع معايير وإرشادات للاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي التوليدي في الصحافة”.

 

بواسطة: مارينا ميلاد- Feb 6, 2024: المصدر: شبكة الصحفيين الدوليين

الصورة الرئيسية بترخيص بيكسلز بواسطة تارا وينستد